تعتبر حظيرة سيتجاس بقرية مسلمون بولاية تيبازة موقعا تاريخيا هاما، شهد ذات ليلة من تاريخ 22 أكتوبر 1942 اجتماعا سريا لقادة الحلفاء العسكريين لرسم خطة محكمة لطرد الألمان من شمال إفريقيا في مرحلة أولى ومن جل الأراضي الفرنسية المحتلة في مرحلة لاحقة ، غير أنّ السلطات لم تعر الموقع اهتماما منذ بزوغ فجر الاستقلال إلى غاية نهاية سنة 2004 حين تمّ ترحيل 55 عائلة كانت مقيمة بداخلها بصورة فوضوية إلى سكنات لائقة وتم رصد غلاف مالي قدره 630 مليون سنتيم لتنظيفها و تهيئتها الأولية على أمل تحويلها إلى قطب ثقافي واعد لاحقا.
»الشعب« التي تقف على الذكرى الـ 70 لاجتماع الهناء في الحرب العالمية الثانية، تنقل التفاصيل عن مسلمون التاريخ، ومسلمون الحاضر والمستقبل.
هنا اجتمع قادة الحلفاء في 22 اكتوبر 1942
شهدت ليلة الـ21 الى 22 أكتوبر من عام 1942 لقاءً سريا للغاية أقامه القادة العسكريون للحلفاء بمقر حظيرة سيتجاس برئاسة الجنرال الأمريكي »مارك واين كلارك« الذي التحق بالموقع ليلة الـ20 من أكتوبر على الساعة الواحدة والنصف ليلا على متن غواصة خاصة وغادر المنطقة ليلة الـ22 أكتوبر على الساعة الخامسة والنصف صباحا تحت حراسة أمنية مشددة من لدن المقاومين ، وبالرغم من بقاء فحوى اللقاء سريا كونه يندرج ضمن إطار »سري للغاية« الا أنّ الأخبار المسربة للصحافة العالمية التي أشارت اليه لاحقا أكّدت اتفاق الأمريكان والانجليز والمقاومون الفرنسون على خطة محكمة لطرد النازيين من شمال إفريقيا في مرحلة أولى ومن فرنسا وبقاع أخرى في مرحلة لاحقة في خطوة كان لابد منها لفتح جبهات قتال جديدة مع دول المحور التي أبانت عن توسعات استعمارية كبيرة بأوربا الشرقية حينها لتدخل بذلك قرية مسلمون الهادئة عتبة التاريخ العالمي من بابه الواسع .
ومن بين الخطط الرئيسية التي تناولها قادة الحلفاء بالدراسة والتحليل في 22 أكتوبر 1942 بحضيرة سيتجاس بمسلمون تفاصيل الإنزال الأمريكي الشهير بالسواحل المغاربية التي كانت حينها تحت الاحتلال الفرنسي والذي سمي حينها بـ»عملية طورش« وهي العملية التي تزامنت مع إنتصارات عديدة حققتها كل من القوات البريطانية والسوفياتية سابقا على قوات الألمان بحيث كانت تهدف ذات العملية الى فتح جبهة قتال جديدة على مستوى الشمال الافريقي بخلفية كسر شوكة قوات النازية الشيئ الذي أفلح فيه الحلفاء بقيادة الأمريكان وتمكنوا من تحرير كل من الجزائر
والمغرب من النازيين بعد قتال عنيف مع الألمان .
تبحث عن رد الإعتبار
غداة استقلال الجزائر في 1962 التحقت عدة وفود أجنبية بالموقع للإطلاع عليه بالنظر إلى مكانته التاريخية غير انّ السلطات المحلية لم تصنفه ضمن أولوياتها من حيث التهيئة وإعطائه البعد التاريخي اللائق به طيلة أكثر من 40 سنة بعد الاستقلال الأمر الذي شجّع الكثير من العائلات على الاستقرار به خلال تلك الفترة باعتباره يقع على حواف مدينة مسلمون بجوار الطريق الوطني رقم 11 ويطل على البحر مباشرة ويعتبر موقعا استراتيجيا بكل المقاييس.
حصل ذلك في نهاية سنة 2004 حين أمرت السلطات الولائية بترحيل العائلات المقيمة بالموقع في سكنات فوضوية غير لائقة الى سكنات جديدة غير بعيد عن الموقع وبالتحديد بحي باب الواد الشهير الذي تمّ تأسيسه ابان الثورة حين أقدم الاحتلال الفرنسي على تجميع العائلات في مجمعات سكنية لغرض عزلها عن المجاهدين وإستفادت خلال هذه العملية 55 عائلة تم ترحيلها الى سكنات اجتماعية فيما باشرت المصالح العمومية في عملية تهيئة جزئية للموقع الذي دخل التاريخ العالمي من الباب الواسع وأضحت كبريات الدوريات العالمية تتحدث عنه وهي العملية التي شملت مختلف أوجه التنظيف ورفع النفايات الهامدة به في مرحلة أولى على أن يعرض أمر تهيئته الشاملة على السلطات المركزية بالنظر الى إمكانية إلتهام المشروع لمبالغ مالية كبيرة بحيث التهمت عملية التنظيف والتهيئة الأولية لوحدها مبلغ 630 مليون سنتيم .
وعلى هامش زيارتها لولاية تيبازة لتفقد مشاريع القطاع في مقتبل سنة 2008 لم يتأخر المسؤول الأول عن قطاع الثقافة حينها عن اقتراح تصنيف الموقع ضمن الأملاك الثقافية الوطنية على الوزيرة خليدة تومي التي طافت بجوانبه وبعض أجزائه وقبلت بالفكرة بالنظر الى الرصيد التاريخي الهام الذي يحوز عليه الموقع ومن ثمّ فقد أعدت مديرية الثقافة ملفا مفصلا في الموضوع تم إرساله الى اللجنة الوطنية المكلفة بدراسة وجرد الأملاك الثقافية الوطنية التي صادقت على عملية تصنيف الموقع ضمن تلك الأملاك في 17 ديسمبر 2008 غير أنّ ذلك لم يصدر بالجريدة الرسمية الى غاية يومنا هذا لاسباب تبقى مجهولة ولا يعلمها غير القائمين على الشأن الثقافي ببلادنا إلا أنّ الوزيرة خليدة تومي عاودت الاشارة الى الموقع من جديد على هامش زيارتها للولاية في أوت المنصرم من خلال إقرارها بتخصيص غلاف مالي معتبر لتهيئته وردّ الاعتبار له بحيث أشارت مصالح مديرية الثقافة بالولاية الى تخصيص ما قيمته 5 ملايين دج لاجراء دراسة شاملة تتعلق بتهيئة الموقع على أن يشرع في ذات العملية لاحقا ليصبح هذا الأخير معلما ثقافيا وشاهدا بارزا على تاريخ البشرية الحديث بصفة عامة وتاريخ الجزائر والجزائريين بنضالهم وبطولاتهم بصفة خاصة.
الأمريكان يحجون الى” مسلمون”
بعد استكمال مشروع التهيئة
أشار رئيس الجمعية الثقافية المحلية »بوهلال« السيد »الياس عزيبي« بأنه سمع السفير الأمريكي السابق ببلادنا »ديفيد هيون« يؤكد على أنّ الامريكان سيجعلون من موقع »سيجاس« قبلة لهم مستقبلا حال توفر شروط التنقل الى المنطقة للسياحة و لاسيما عقب استكمال مشروع التهيئة الشاملة والذي يندرج ضمنه بناء نصب تذكاري يخلّد للحدث ، كما اشار رئيس الجمعية من جهة أخرى الى أنّ الفضل في رد الاعتبار للموقع يعود للجمعية بالدرجة الأولى باعتبارها كانت السباقة لمراسلة السلطات الولائية بشأن الموضوع الامر الذي لقي استحسان وتعاون جميع الجهات المعنية.
قليلون جدا ممن تمّ استجوابهم بشأن أهمية الموقع التاريخي من سكان المنطقة المحيطة به من يدرك ما حصل به خلال الحرب العالمية الثانية ولا يزال معظم أبناء المنطقة يجهلون بأنّ تحرير شمال افريقيا بدأ بلقاء سري تمّ بمنطقتهم غير انّ الفعاليات الثقافية و التاريخية بالمنطقة تعتبر الأمر عاديا جدا بالنظر الى السرية الكبيرة التي أحيط بها اللقاء من جهة والجهل المفرط الذي عانى منه الجزائريون في تلك الفترة لاسيما و أنّ الجهات الوصية على التاريخ والثقافة ببلادنا أغفلت تاريخ المنطقة من أجندتها و أولوياتها عن قصد او غير قصد ، ذلك لا يهم حسبما اشار اليه العديد منهم و الأهم من ذلك كلّه انّ تلك الجهات استدركت الامر خلال السنوات الاخيرة وأقدمت على تصنيف الموقع ضمن الاملاك الثقافية الوطنية في انتظار مباشرة عمليات الترميم والتهيئة وإنجاز معلم تذكاري به يترجم الحدث التاريخي الهام الذي احتضنه ذات يوم خلال الحرب العالمية الثانية ولكن الذي يصرّ عليه الجميع في هذه الصورة يكمن في تجسيد البعد التاريخي للموقع وفق ما يؤرّخ لبطولات الشعب الجزائري ورفضه للهيمنة الأجنبية مهما كان مصدرها وبعدها سيعبّر هؤلاء عن إعتزازهم وفخرهم بكون كلّ شبر من أراضيهم الذي له حكاية مع التاريخ الحديث أو القديم .