هي اليوم مؤهلة لتصبح عاصمة جهوية يربطها الطريق الصحراوي بالجزائر العاصمة شمالا وبالنيجر ومالي جنوبا، وإذ عرفت منذ الأزل بكونها منطقة سياحية، فهي اليوم في قلب معركة التنمية الشاملة وكل المشاريع الكبرى التي ستفك العزلة عن أبناء المنطقة وتمكنهم من الاستفادة بنفس القدر من البرامج التي سطرها رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة والرامية إلي تطوير الجنوب الكبير على كل الأصعدة.
هي تمنراست عاصمة الأهقار المضيافة حلت بها»الشعب» تزامنا مع الزيارة التفقدية التي قام بها مؤخرا وزير الاتصال عبد القادر مساحل، متابعة لمشاريع قطاع الاتصال بهذه الولاية بوابة الساحل الافريقي الفسيح، كل التفاصيل في هذا الإستطلاع.
من عمق الصحراء ومن أحضان عاصمة الأهقار، استقبلنا أبناء تمكرست وهي منطقة تبعد عن بلدية تمنراست بـ ٤٠كلم بكل حفاوة وكرم وهما ميزتا عادات الرجل الأزرق، مقدمين لوزير الاتصال عبد القادر مساهل والوفد المرافق له من إطارات الوزارة ووالي وأعيان الولاية، كأسا من الشاي الصحراوي وطبقا من «التقلة» الشعبي.
حسب أهل المنطقة جاء إسم تمكرست من (أمكرس) والتي تعني مضيق بين جبلين، وتمتاز المنطقة بوجود شلالات مائية وغطاء نباتي يسمى بـ» الطلح»، هو التعريف الذي قدمه لنا مراسل الشعب محمد صالح بن حواد، ولكن ما عشناه غداة اكتشافنا لها والتجوال في البعض من حناياها يقطع الأنفاس لروعة وجمال مناظرها ووقار الصمت المخيم عليها.
وتستحوذ على الأنظار والمخيلات معالم المنطقة الأثرية وكل تلك الصخور البركانية الملساء بمختلف أحجامها وألوانها، المتراصة هنا وهناك بقدرة القادر في أكوام شكلت جبالا تستهوي عشاق تسلق المرتفعات الصخرية وتلهم الكتاب والشعراء.
وكان استقبال أهالي المنطقة لنا حارا وكريما للغاية، حيث دعوا الزوار للاستراحة من تعب السفر تحت ضلال الخيمة الترقية التي زينتها المنتجات التقليدية المحلية الصنع من زرابي بألوان زاهية وجوارب من جلد وأواني من صنع أنامل الحرفيين المحليين.
وزاد تقديم طبق «تقلة» الشعبي وكؤوس الشاي الثلاث للضيوف، نكهة خاصة للزيارة لطفت كثيرا من حرارة اليوم وعناء السفر، لم تضاهيها سوى عذوبة أحد شلالات تمنراست، ومياهها العذبة المنحدرة من أعالي الصخور، والتي حفرت بها على مر الزمن أحواضا هنا وهناك .
سباق الجمال على أنغام التندي
كان لنا الحظ ونحن في ضيافة أهالي تمنراست أن نشاهد سباق للجمال شارك فيه 15 ترقيا من مختلف الأعمار، ولتشجيع هذه الرياضة التقليدية، قدم للفائز الأول بيت ريفي، فيما تحصل المتسابقين الثاني والثالث على خيمة وكيس من الشعير لكل متسابق.
وزادت أهازيج فرقة التندي من روعة السباق، وهي فرقة نسوية متكونة من 10 إلى 12 امرأة متفاوتة الأعمار وهن يرتدين بفائق الأناقة الملحفة السوداء، وتزين بأساور وحلي وخواتم من الفضة التي صنعها ونقشت رسومها أنامل الصائغ الترقي، وترددن أغانيهن المشجعة للمتسابقين والمعبرة عن جمال وأصالة حياة التوارق.
ويميز طابع التندي اجتماع مجموعة من النسوة حول طبل مستدير، تضرب عليه إحداهن وترشه أخرى من حين لآخر بالقليل من الماء لتلطف من حرارة الجلد المتولدة من وقع اليدين الضاربة عليه، فيما تردد باقي المجموعة كلمات الأغنية التي تتناغم كلماتها أيضا على وقع تصفيقاتهن.
ومن تقاليد فرقة التندي أن تغطي المرأة المتزوجة وجهها، في حين تكشف الشابة والمسنة.
وفي طريق العودة من تمكرست إلى تمنراست كانت تنتظرنا هدية مع غروب الشمس الرائعة وهي تطفو على الجبال الصخرية، بردائها الأحمر الجميل.
وما يلفت الانتباه هو أن التنمية تشق لها طريقا معبدا وسط الصحراء وتتحدى وتتغلب على وعورة طابعها الجغرافي، وصعوبة تضاريسها، كما تتحدى هي الأخرى أعمدة وأسلاك سونلغاز وتكسب رهان مد القرى والمناطق النائية بالإنارة.
الطريق العابر للصحراء وتطوير الاتصالات
وجود تمنراست بأقصى الجنوب لم يستثنيها من المخططات الجبارة ومشاريع التمنية الشاملة التي تعمد الحكومة الجزائرية على تجسيدها بالتوازن بين الشمال والجنوب مند حوالي 15سنة.
وهي المشاريع التنموية التي كان من الممكن بواسطتها تحدي الظروف وقهر وعورة الصحراء وشقها طريقا لها وسط هذه التضاريس الصعبة والموحشة، وهو الرهان الذي ما فتئت الحكومة الجزائرية في كسبه يوما بعد يوم بفضل سواعد أبنائها وتحدياتهم وتضحياتهم المستمرة.
ويتباهى جل سكان تمنراست اليوم، بمشروع القرن الذي ساهم بفضل إرادة وعزم الحكومة من تزويد المنطقة التي كانت تعاني ندرة المياه الخانقة بالماء الشروب القادم من منطقة عين صالح على بعد 750كلم مشروع القرن، نقل المياه من منطقة عين صالح إلى ولاية تمنراست لتزويد سكانها بالماء الشروب وكفاهم معاناة السهر والانتظار، وهو المشروع الضخم الذي فتح الأبواب واسعة أمام العديد من البرامج التنموية الواعدة بالمنطقة والقادرة على أن تجعل منها قطبا حضاريا مشعا على الصعيد الاجتماعي والاقتصادي والثقافي والسياسي ولتكون إحدى منارات التنمية بالجنوب الكبير.
وللتذكير فقد بلغت تكلفته الإجمالية للمشروع حوالي 197 مليار دج وقد تم تشغيله من قبل فخامة رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة خلال زيارته إلى تمنراست في شهر أفريل سنة 2011.
وقد أشار وزير الاتصال عبد القادر مساهل خلال زيارته للمنطقة «أن هذا المشروع هو الثاني من نوعه عالميا، بعد مشروع مماثل جسدته الولايات المتحدة الأمريكية في ثمانينات القرن الماضي.»
ولفك العزلة أكثر عن تمنراست وربطها بالشمال وكذا بالدول الحدودية المجاورة، استفادت من مشروع كبير آخر يعد من ضمن برامج التنمية التي سطرها رئيس الجمهورية للجنوب الكبير والهضاب العليا، وهو الطريق العابر للصحراء والرابط بين عاصمة الأهقار وعين قزام على مسافة 420كلم.
ولن يكتمل الربط إلى بتعزيز إمكانيات الولاية في مجال الاتصال وهو المشروع الذي تأخذه على عاتقها الوزارة الوصية والذي بدأ تجسيده ميدانيا منذ زيارة المسؤول الأول عليها إلى الولاية والذي أعلن خلالها عن تدعيم كل من محطة البث الإذاعي والتلفزيوني بأحدث المعدات وكذا محطتي التلفزيون والإذاعة المحلية إلى جانب تدعيمهما وكذا مكتب وكالة الأنباء بالموارد البشرية اللازمة من صحفيين وتقنيين ومراسلين لتشجيع تغطية إعلامية واسعة وإعلام جواري يمس كل المناطق المنعزلة دون استثناء، ناهيك عن قرار إنشاء مطبعة للجرائد تدخل حيز الخدمة السنة المقبلة.
منطقة سياحية بالفطرة
مارت tagmarte إن الزائر لتقمارت يخوض مغامرة السفر عبر الزمن والسكون، فهي كما يعرفها مراسلنا محمد صالح « منطقة تقع في الشمال الشرقي من بلدية تمنراست وتنقسم إلى منطقتين كما يعرفها أهل المنطقة الأولى تاقمارت «التحتانية « وتبعد حوالي 25 كلم وتاقمارت «الفوقانية» 30 كلم من مقر الولاية، واسم تاقمارت حسب أهل المنطقة جاء من (يقمار)
وتعني باللهجة التارقية الشيء المحفوظ أو في رعاية، وتمتاز المنطقة بأن فيها عددا من النقوش الصخرية التي تعود إلى فترة ما قبل التاريخ ، إضافة إلى معالم جنائزية عبارة عن قبور جنائزية تعود لفترة فجر التاريخ».
ولا يحلو التجوال على أرض تاقمارت بدون وجود دليل يقود الرحلة عبر الزمن، وكانت دليلتنا المختصة في علم الأنثربولوجيا وتاريخ الإنسان القديم سعودي مسعودة، التي تحكي بشغف عن تواجد الحياة بالمنطقة ما قبل التاريخ وتعميرها من قبل الإنسان الذي خلف بصماته برسمه على الصخر لواحات رائعة عن حياته اليومية.
ولا يجهل أحدا أن معالم تمنراست الأثرية والتاريخية وتراثها المادي واللامادي يجعل منها منطقة سياحية بامتياز كان ولا يزال لها صدى ومكانة كبيرة في مجال السياحة الصحراوية على الصعيد العالمي.
وللإشارة فقد قد منح الوزير الأول عبد المالك سلال خلال زيارته التفقدية للولاية، شهر ديسمبر الماضي، خمس عقود امتياز لمستثمرين شباب في قطاع السياحة كالتفاتة من الحكومة لتشجيع هذا القطاع الحيوي الذي بتطويره وتشجيع الجانب المحلي منه، الأمر الذي سيسمح بخلق فرص عمل وتشجيع السياحة كونها كما قال سلال « المستقبل لأن السياح في العالم يبحثون عن السياحة الثقافية وعن الأماكن الهادئة مثل تاهات والرومية والاسكريم وتيديكلت كما يهتمون بثقافة المنطقة»
وما تصنيف آلة موسيقى الإمزاد كتراث عالمي إلا دليل قاطع على الثروة الثقافية والتاريخية التي تملكها منطقة الرجل الأزرق والتي لابد من الحفاظ عليها وتعليمها للأجيال الصاعدة وهو الأمر الذي تعكف عليه دار الإمزاد التي أصبحت ملاذا للعديد من الجمعيات المختصة في الحرف التقليدية وفي موسيقى الإمزاد والتندي وفي ثقافة التوارق العريقة.