بارونات تتلاعب بأسعار الأدوية والتامين الحلقة المغيبة
يشكلون في الواقع النواة الرئيسية لترقية الأمن الغذائي بالوطن، إلا أنّهم لا يحظون بالقدر الكافي من الاحترام و الرعاية من الفاعلين.أنهم الفلاحون الذين هم وحدهم يصارع العوائق و الصعاب بالشكل الذي يحدّ من عزيمتهم و قدرتهم على الارتقاء و التطور.
إذا كان الفلاح عندنا يعتبر مهنته امتدادا طبيعيا لقساوة الطبيعة وتقلبات المناخ، الا أنّه يطرح في الوقت نفسه أكثر من سؤال حول مسئولية العديد من الجهات في ترقية حاله و تحسين واقعه المهني من خلال اعتماد جملة من الإجراءات العملية المرافقة التي تتيح للفلاح التكفل بعمله في ظروف مريحة.
الواقع يشهد أنّ الفلاح لا يزال تحت وطأة المعاناة من تقلبات السوق اللعينة وجشع المصادر المعنية بتسويق الأدوية والبذور لتتعقّد بذلك مأموريته.حالات كثيرة لفلاحين بعانون في صمت، بحيث كشفت مرافقة طويلة نسبيا للعديد منهم بالناحية الشرقية لولاية تيبازة العوائق و الصعاب التي تصنف مهنة الفلاح ضمن جملة الأشغال الشاقة المفتوحة على كل الاحتمالات السيّئة.
من الصعاب المرصودة على ارض الواقع ،تفشي حشرة حفارة أوراق الطماطم و أمراضا أخرى مستعصية ناهيك عن ندرة اليد العاملة و تقلبات السوق و غيرها. كيف. الجواب في هذا الاستطلاع الذي قامت به بعين المكان «الشعب».
محاصيل تحت التهديد والأسباب كثيرة
كثر الحديث و ازداد الجدل حول منتوج الطماطم الذي يبقى سعره مرتفعا نسبيا مقارنة مع مستوى القدرة الشرائية للمواطن ومتطلبات مائدة العائلة في المجتمع الجزائري. اتهمت عدّة أطراف، فئة الفلاحين بتأجيج الفتنة في هذا المجال والسهر بذكاء على إبقاء سعر الطماطم مرتفعا بحثا عن الأرباح. غير انّ الذي لا تدركه الجهات المعنية بما في ذلك المستهلك البسيط ، أن منتوج الطماطم يبقى حاليا ومستقبلا مستهدفا من ظاهرة الندرة التي أضحت تهدّده من مختلف الجهات و الزوايا.
و يرجع السبب الرئيس في ذلك حسب العديد من الفلاحين في تصريحهم لنا إلى وباء حفارة أوراق الطماطم ،و هو الوباء الذي زاد انتشارا و تأثيرا على المحاصيل خلال السنوات الأخيرة، و لم تعد الأدوية المستعملة حاليا لعلاجه قادرة على التصدي للدودة كما يسميها جمهور الفلاحين ، بحيث أضحت الدودة تهدّد الثمرة و الورقة و النبتة ككل ،بفعل مقاومتها الشرسة لمختلف الطرق العلاجية المستعملة من الفلاحين و تحويلها لدور بلاستيكية بأكملها إلى فضاءات قاحلة تسيل دموع الفلاحين و تحدّ من عزيمتهم و إصرارهم على مواصلة المشوار.
و ليس غريبا عن أحد بأن تنعكس هذه الظاهرة سلبا و بشكل مباشر على تراجع عرض منتوج الطماطم بالسوق و ارتفاع سعره تماشيا و قانون العرض و الطلب الذي يسيّر أسواق الجملة للخضر و الفواكه ببلادنا و ليس غريبا أيضا بأن يتراجع العديد من الفلاحين عن المجازفة بغرس هذا المنتوج الذي يبقى بالنسبة للكثيرين منهم شبيها بلعبة قمار قذرة قد تنجيهم من المأزق و قد تمرّغ أنوفهم على الأرض كما تحفزّهم على تطليق غرس هذا المنتوج بالثلاث إلى أجل غير مسمى في ظلّ عجز المعاهد التقنية الفلاحية و مخابر الأدوية عن توفير العلاج الملائم و المقنع لهذا الوباء الفتاك.
ما يثير الدهشة ، انتقال وباء حفارة أوراق الطماطم الى منتجات فلاحية أخرى لم تكن مستهدفة من ذي قبل كالباذنجال مثلا و الذي أضحى عرضة لفتك الدودة على مستوى أوراقه مع تأثير ذلك بشكل مباشر على مردود النبتة، وهي المشكلة التي عانى منها الفلاحون في صمت و لا يزالون، دون احتساب زيادة تكاليف الإنتاج بفعل الإصرار على علاج المرض بمختلف الأدوية المتاحة و المنصوح بها.
غير أنّ مصدرنا من مديرية المصالح الفلاحية بتيبازة، أكّد لنا، بأنّ مشكل حفارة أوراق الطماطم تمّ الفصل فيه منذ سنوات باستعمال الكبسولات التي تجلب ذكر الدودة و تحد من عمليات التكاثر.
مع الإشارة إلى أن اليرقات الناجمة من التكاثر هي التي تلحق الضرر بالمنتوج، و لكنّ الفلاحين يبقون مصرين على استعمال الأدوية الأخرى غير الفعالة الى حدّ الساعة مع تجنب الكبسولات لأسباب تبقى مجهولة ،في حين انّ المصالح الفلاحية عملت على توزيعها مجانا لفائدة الفلاحين خلال سنوات خلت ضمن حملة تحسيسية واسعة .و هي الحملة التي لم يقتنع بها الفلاحون أساسا مما أثّر سلبا و بشكل مباشر على تسويق الكبسولات في المحلات المتخصصة بالنظر إلى انعدام الطلب عليها.
ولا يستبعد بأن تتدخل المصالح المعنية من جديد لإقناع الفلاحين باستعمالها ناهيك عن التدخل لدى المستوردين لجلبها من الأسواق الخارجية بكميات كافية باعتبارها تعتبر في الوقت الراهن على الأقل الحل الأمثل للتصدي لحشرة حفارة أوراق الطماطم و التي يسميها الفلاحون بالدودة أو ناسجة الخرائط.
أدوية مغشوشة تحدث الكارثة
كثيرا ما تتعرض مزراع الفلاحين لنوبات غريبة من طغيان الأمراض المستعصية من جهة و تباطؤ نشاط النبتة من جهة أخرى، بحيث يجمع العديد من المختصين على أنّ تفاقم الأمراض و بروز بوادر عجز الفلاح عن المعالجة يرتبط بالدرجة الأولى بنوعية الأدوية المقتناة من المحلات المتخصصة، و هي أدوية مغشوشة أحيانا و منتهية الصلاحية أحيانا أخرى ممّا يصعّب من عمليات المعالجة التي يختفي أثرها في الواقع في العديد من الحالات، ومن ثمّ فقد أجمع العديد من الفلاحين على أنّ حل الإشكال القائم يقتضي التخلي عن نماذج متعددة من الأدوية المعهودة مع استعمال الفعالة منها دون سواها، غير أنّ ارتفاع أسعار الأدوية الفعالة لا يكون عادة في متناول صغار الفلاحين الذين يغرقون عادة في كم كبير من العوائق التي تحول دون تمكنهم من التأقلم مع الواقع الجديد.
أما الشق الثاني من هذه المعاناة ،فيربطها العديد من الفلاحين بالنوعية الرديئة للبذور التي يتم جلبها من دول معروفة تقع بقرات أمريكا و أوربا و أسيا ضمن نوعيات غير مضمونة غير أنّ تعليبها الذي يتم وفقا لماركات عالمية كثيرا ما خادع الفلاحين الذين يكتشفون الزيف و الرداءة عقب زرع البذور.
وقفنا على عدّة حالات مشخّصة بكل من الدواودة ، فوكة و القليعة تعنى ببذور الطماطم على وجه الخصوص إضافة إلى حالات أخرى تعنى ببذور الباذنجال و الفلفل بشقيه ، ليبقى مشكل اقتناء البذور و الأدوية بذلك هاجسا مرعبا يخشاه العديد من الفلاحين و لاسيما أولئك الذين يفتقدون لتجربة مهنية طويلة و ثقافة فلاحية واسعة.
مضاربة مفضوحة وصمت رهيب
اكد العديد من الفلاحين بتيبازة ، أنّ أسعار الأدوية الفلاحية شهدت خلال السنتين الأخيرة ارتفاعا جنونيا لم يعد مطاقا من الأغلبية الساحقة منهم، بحجة ارتفاع أسعارها في الأسواق الدولية مقارنة مع قيمة الدينار الجزائري، كما يتحجّج العديد من موزعي و تجار المواد الفلاحية باقتناء مواد أحسن نوعية و أكثر تأثيرا على النبات بفعل تحسين تركيبتها الكيميائية ،فيما يتحجّج آخرون بكون السبب يرجع على وجه الخصوص الى تكاليف النقل التي تضاعفت في الكثير من الحالات .
وبحسب هؤلاء فان المنتجات التي تصل الجزائر عن طريق ميناء العاصمة لا تسوّق في الواقع مثل تلك التي تدخل البلاد عن طريق ميناء بجاية على سبيل المثال مثلما سمعناه من أحدهم خبير في الموضوع، أكّد لنا أّنّ التركيبة الكيميائية تبقى نفسها و طريق المعالجة هي نفسها أيضا الى أنّ النقل يؤثّر بشكل مباشر على السعر النهائي للمادة.
وما يلفت الانتباه في هذا الجانب ، أن أسعار بعض المواد تضاعفت كلية على غرار مركب البروبيناب الذي لا يمكن لأيّ فلاح الاستغناء عنه باعتباره أسبيرين النقلة الفلاحية، و ارتفع سعره في مرحلة التجزئة من 1400 دج خلال بداية الموسم المنقضي الى 2800 دج خلال بداية الموسم الحالي بالنسبة للنوعية المستوردة من أوربا فيما يبقى سعر المركب المستورد من الأردن يتراوح ما بين 2000 و 2400 دج، كما ارتفع سعر الموكاب المستعمل ضدّ داء يصيب الجذور من 1200 دج بداية الموسم المنقضي الى 1500 دج بداية الموسم الجاري باعتبار هذه المادة تستعمل عادة مع بداية الموسم الفلاحي داخل البيوت البلاستيكية، و تبقى هذه الأمثلة مجرّد عينات محدودة تماثلها أمثلة أخرى كثيرة ما أسالت العرق البارد للفلاح الذي يكدّ و يجدّ من أجل بلوغ مبتغاه .
الحيوانات البرية هموم أخرى
أقدم عديد الفلاحين بالناحية الغربية لتيبازة على وجه الخصوص خلال السنوات الأخيرة على توقيف نشاطهم و التحول نحو أنشطة أخرى تحت طائل فقدان القدرة على مواجهة الحيوانات البرية التي أضحت تلحق أضرارا بليغة بالمنتجات.و يأتي الخنزير البري في مقدمة الكائنات التي من السهل التصدي لها بالنظر إلى تكاثرها الرهيب خلال سنوات خلت دون أن تتعرّض لعمليات صيد مبرمجة. كما اشتكى العديد من الفلاحين من طغيان مختلف أنواع الطيور التي أضحت تلحق أضرارا بليغة ببساتين الفاصوليا خاصة خلال فترة الصيف بحيث تلجأ هذه الأخيرة إلى تناول أزهار هذا النبات مع عدم السماح له بالإثمار دون أن يتمكن الفلاحون من إيجاد مخرج لهذه الآفة مما أفرز تراجعا للمنتوج من جهة و ارتفاع أسعاره بالسوق المحلية إضافة إلى تعرّض الفلاحين لخسائر معتبرة بالتوازي مع بذل جهود أكبر.
و ليست الخنازير و الطيور وحدها التي ترعب الفلاحين وتحد من عزيمتهم بل امتدت الأزمة إلى تأثير الكلاب الضالة على البساتين لاسيما حينما تكون المزروعات في مرحلة النمو بحيث أنّها تتعرّض لمختلف أشكال التشويه من طرف الكلاب و الزواحف أيضا ليتكبّد بذلك الفلاحون خسائر إضافية لم تكن في الحسبان في الكثير من الحالات.
الفلاح لا يثق في مؤسسات التأمين
لا يزال الصندوق الجهوي للتعاون الفلاحي ممثلا بوكالتيه بحجوط و القليعة يعاني من عزوف الفلاحين عن الانخراط بخلفية تأمين مزارعهم و الاستفادة من مختلف الحماية التأمينية المتوفرة لأسباب تبقى مجهولة، الا أنّ عرض هذه الإشكالية على العديد من الممارسين بكل من الداموس غربا و فوكة و الدواودة شرقا ،كشف لنا عامل اللاثقة في العلاقة بين الطرفين.الفلاحون يشكون من عدم التزام الصندوق بتعويضهم في حال تعرّضهم لتأثير كوارث طبيعية محتملة مشيرين إلى أنّ ما يعرفه العام و الخاص عن طريقة التعويض المعمول بها في تأمين السيارات تبقى خير شاهد عن قدرة الصندوق على التجاوب مع تطلعات الفلاحين الذين تخلّوا على مرّ السنين عن ثقافة التأمين التي يجدونها مضيعة للمال والوقت ليس إلا.لكن للصندوق رأي آخر ويواصل حملات التحسيس لإقناع الفلاحين بالتامين والتقرب من مصالحه لخدمتهم.
و إذا كانت وكالة حجوط للصندوق الوطني للتعاون الفلاحي قد قدّمت خلال سنوات خلت شهادات حيّة عن التزامها بتعويض الفلاحين المنخرطين لديها و المتضررين من عواصف الرياح بمختلف مناطق الناحية الغربية و خاصة ببلدية الداموس إلا أنّ ذلك لم يقنع بقية الفلاحين من الانخراط في المسعى و الانتماء لهذه المؤسسة المالية التي تبذل قصارى جهودها من أجل مرافقة المزارعين في مسارهم المهني و الإنتاجي، لتتحول وظيفة وكالات الصندوق الى تأمين السيارات في الغالب بدلا من تأمين المزارع و البساتين.
تقلبات السوق
من المفارقات غير المنطقية التي يؤاخذ عليها الفلاحون، السلطات العمومية طرحها لمشكل تسويق المنتجات الفلاحية بطريقة عرجاء و جزئية من خلال اعتماد مجالات محددة للأسعار لأهم المنتجات المتداولة خلال شهر رمضان مع التدخل المباشر لأعوان الرقابة في حال تجاوز السعر للحد الأقصى و ترك الأمور على حالها في حال نزول السعر إلى درجات دنيا بحيث سبق للعديد من الفلاحين دفع تكاليف باهظة لجني المحصول الذي تراكم بسوق الجملة دون أن يسوق بفعل كثرة العرض و تراجع الطلب فيما فضّل آخرون التخلي عن محصولهم بالحقول تجنبا لخسائر مضاعفة.
و من ثمّ فقد أجمع جلّ الفلاحين الذين استشيروا في هذه القضية على أهمية تحديد أسعار المنتجات الفلاحية بما يناسب المنتج و الزبون و على مدار السنة مع ضمان التدخل العاجل للجهات المعنية بالرقابة في حال تحرك الأسعار في الاتجاهين معا و ليس في اتجاه واحد فقط، لا سيما و أنّ العديد من الفلاحين يتعرضون لهزات مالية شديدة المفعول سنويا ويضطرون للتخلي عن نشاطهم لصالح آخرين و الانتقال للعمل اليومي لدى غيرهم، كما أكّد لنا العديد من المتدخلين بسوق الحطاطبة للخضر و الفواكه من تجار جملة و أعوان أمن بأنّ القانون الوحيد الذي يخضع له السوق هو قانون العرض و الطلب و لا مجال لتعليمات أخرى تشوش على هذا القانون العالمي.
رحلة لا تنتهي للبحث عن اليد العاملة
يتلقى معظم الفلاحين بتيبازة صعوبات جمّة في توظيف اليد العاملة المؤهلة القادرة على خدمة الأرض والحفاظ عليها في ممارسة النشاط ، بحيث يفرض العمال شروطهم للالتحاق بمناصب العمل تأتي في مقدمتها عدم تجاوز فترة 5 ساعات عمل في اليوم مما يؤهلهم لاستغلال اليوم الواحد مرتين للعمل لدى فلاحين مختلفين أو حتى لدى الفلاح ذاته مما يسفر عن مضاعفة الأجر الذي يقدّم لهم عادة مع نهاية كلّ أسبوع بدلا من نهاية الشهر.
و تشير عملية حسابية بسيطة إلى أنّ العامل الذي ينشط 5 ساعات في اليوم و لمدة 5 ايام فقط في الأسبوع يمكنه أن يحصل على راتب شهري يفوق الحد الأدنى للأجور و لكنه بالرغم من هذه الامتيازات الاقتصادية و المهنية، فإنّ العمال يرفضون اللحاق بعالم الفلاحة لأسباب تبقى مجهولة بالرغم من أنّهم يحصلون على مختلف منتجات الحقل مجانا.