مساحات واسعـة من الجـمـال لهواة الجـولات الجـبليـة

الشّريعة.. جـلالٌ يـعانـق الـســـّماء

البليدة: أحمد حفاف

قـبلـة الـسيـاحة البـيئـيـة المـفـضــّلــة وفضـاء الـراحة والاستـجـمـام

تعتبر الحظيرة الوطنية للشريعة من بين أهم الفضاءات الغابية التي تزخر بها الجزائر، وبفضل الغطاء النباتي الذي يميّزها وتنوّعها البيولوجي باتت مقصدا مفضّلا لهواة السياحة البيئية والعلمية وكذا سياحة المغامرات أو ما يعرف بالجولات الراجلة الاستكشافية.

تأسّست هذه الحظيرة بموجب المرسوم الرئاسي 83.461 الصادر بتاريخ 23/07/1983، حيث تتربّع على مساحة قدرها 26587 هكتار على امتداد جبال الأطلس البليدي، وبذلك تشرف اتجاه الشمال على سهل المتيجة وباتجاه الجنوب على مرتفعات المدية، وباتجاه الغرب على جبال الظهرة بولاية عين الدفلى، أما من الشرق فهي تشرف على جبال جرجرة.
ويقع جزؤها الأكبر بولاية البليدة ويشمل بلديات الشفة، بوعرفة، البليدة، أولاد يعيش، قرواو، الصومعة، بوعينان وحمام ملوان، والجزء المتبقي يقع بولاية المدية ويشمل بلديتي تمزقيدة والحمدانية.
كما تحتل حظيرة الشريعة الصف الثاني ضمن ترتيب أقدم الحظائر الوطنية بعد حظيرة القالة الواقعة في ولاية الطارف الساحلية أقصى شرق البلاد، ويٌضاف إليها حظيرة جرجرة في بجاية وحظيرة يما قورايا في بجاية، وحظيرة بلزمة في ولايتي باتنة وخنشلة، حظيرة طازا في جيجل وحظيرة ثنية الحد في ولاية تيسميليت وحظيرة تلمسان.
وتُسيّر الحظيرة الوطنية للشريعة من قبل مديرية مركزية تقع وسط مدينة البليدة، وثلاثة قطاعات، قطاع غربي مركزه في الحمدانية ويُسيّر إقليم الحظيرة في بلديات الشفة، تمزقيدة والحمدانية، قطاع الوسط بالشريعة وله اختصاص في بلديات البليدة، الشريعة، بوعرفة، اولاد يعيش، قرواو، الصومعة، وقطاع شرقي في حمام ملوان يٌسيّر تراب الحظيرة في بلديتي بوعنيان وحمام ملوان.

أشجار الأرز والقرد المغاربي... تميّز طبيعي

تكمن روعة حظيرة الشريعة أساسا في أشجار الأرز التي تنبت في مرتفعات الأطلس البليدي وكذا القرد المغاربي الذي يجلب السياح في مضايق بلدية الشفة على قارعة الطريق الوطني رقم 01 المؤدّي إلى المدية، كما تلعب الشلالات والينابيع أحد المقوّمات السياحية الطبيعية التي تسحر السياح وتجلبهم من داخل وخارج الوطن.
ويضاف إلى ذلك بحسب رئيس قطاع حمام ملوان أسامة السيد: “تضمّ الحظيرة حوضين مائين مهمّين، ويتعلّق الأمر بواد الشفة الذي ينطلق من الحمدانية، وكذا واد حمام ملوان الذي هو امتداد لثلاثة أودية رئيسية، وهي واد العش القادم من بلدية الشريعة، واد يما حليما، واد لاخرة القادم من شمال المدية وتلتقي هذه الأودية في منطقة مقطع لزرق وتشكّل واد الحراش الذي يمر عبر حمام ملوان”
بحسب هذا الأخير فإنّ حظيرة الشريعة تضمّ أكثر من ألف صنف نباتي من أشجار وشجيرات ونباتات مختلفة، من بينها 15 نوعا نباتيا محميا، وأهم هذه النباتات أشجار الصنوبر الحلبي، صنوبر الزان، البلوط الفليني، البلوط الأخضر، العرعار وشجيرات الضرو، اللنج، وشجيرة الدفلة التي تنمو على ضفاف الوديان وشجيرة العنّاب.
وتحتوي الثروة الحيوانية للحظيرة الوطنية للشريعة في العموم على 564 نوعا (بينها 55 نوع حيواني محمي)، موزّعة بالشكل التالي: 25 نوعا من الثدييات أهمّها القرد المغاربي 121 نوع من الطيور أهمّها آكلات الجيف (النسر، الاصهب والعقاب) 358 نوع من الحشرات، 06 كثيرات الأرجل، 02 قشريات، 01 حلقية، هذا الموروث الحيواني يشمل 19.08 بالمائة من الثروات الحيوانية الوطنية.
أما فيما يتعلّق بالطيور، فإنّ هذه الثروة على مستوى الحظيرة الوطنية للشريعة تتكوّن من 35 عائلة، أهمّها: 10 % من الذعريات، 05 % بوميات، 3.5 % من الحماميات، 3.5 % من الخطافيات.
بحسب المفتش الرئيسي للغابات، فإنّ بعض الحيوانات أصبحت مهدّدة بالانقراض في حظيرة الشريعة على غرار الضبع المخطّط، فيما أصبح القرد المغاربي مهدّدا في صحّته بعدما أصبح يعتمد على الإنسان في تحصيل غذائه، وذلك بسبب إقبال السياح على أماكن عيشه.
وأضاف: صنّفت منظّمة “ اليونيسكو “ حظيرة الشريعة سنة 2002 على أنّها منطقة محمية عالميا نظرا للخصائص التي تتميّز بها وكذا النباتات والحيوانات النادرة التي تعيش بها على غرار أشجار الأرز والقرد المغاربي.

مواقع سياحية فريدة..

 تبعد الحظيرة الوطنية عن الجزائر العاصمة بـ50 كيلومترا، وهي أقرب نقطة يمكن أن يقصدها السياح من ساكنة ولايات الوسط الذين يفوق عددهم 10 ملايين نسمة، وفي السنوات الأخيرة أصبحت الملاذ المفضّل لهواة السياحة الجبلية وكذا سياحة المغامرات.
وزيادة على مساحات أشجار الأرز التي تزداد رونقا وجمالا عند تساقط الثلوج، فإنّ سحر المكان يجلب السياح إلى مضايق الشفة أين يقع عنصر القردة، وتسيل مياه الشلالات المائية من أعالي الجبال وتهبط في الواد خلال فصل الصيف، أما بحيرة الضاية في تمزقيدة فيزيد الإقبال عليها في الربيع، مثل حمام ملوان الذي يحتوي على محطة للسياحة الحموية ويقصدها السياح أيضا في الصيف للاستجمام بمياهها العذبة الصافية التي تُشكّل مسابحا طبيعية على امتداد الواد.
وبلغة الأرقام، فقد بلغ عدد السياح أكثر من مليون في فترة تقلّ عن أسبوعين خلال تساقط الثلوج في أعالي الشريعة في شتاء سنة 2023، وهذا ما يعكس أهمية المنطقة التي تشهد إنجاز بعض المشاريع التنموية التي من شأنها أن تحسّن الخدمات السياحية وترفع من عدد السياح، وأبرزها فندقين ذوي ثلاثة نجوم وبيتا للشباب ومنتزهات عائلية.
أما حمام ملوان فقد عرف إنجاز فضاء سياحي للعائلات من قبل وزارة السياحة، وتعرف المحطة الحيوية أشغال تهيئة وتحسين لمرافقها بما فيها الفندق ذي ثلاثة نجوم، وهي بحاجة إلى فنادق جديدة لرفع قدرات الإيواء خاصّة مع تدفق السياح عليها لا سيما القادمين من الجزائر العاصمة.
بدورها، تضمّ بلدية الشفة فندقا صغيرا في المكان السياحي المسمى بعنصر القردة، ومنتزهات بالقرب منه أيضا، ومؤخرا تقدّم مغترب جزائري في إنكلترا ليستثمر في مكان قلعة “ ستيادال” ببناء فندق عصري ومرافق أخرى من شأنها أن تطوّر السياحة في هذه البلدية.
ويرتقب أن تشهد بلدية بوعينان التابعة لقطاع حمام ملوان بعض الاستثمارات السياحية على المدى القريب بعد إنشاء مدينة جديدة بها، وبعد إنشاء منطقة توسّع سياحي بها أيضا.

النباتات وفواكه الغابة.. روح وريحان..
تٌوفّر حظيرة الشريعة الراحة النفسية للسياح خاصّة من يتملّكهم فضول الاستكشاف وحب الغوص في أعماق الطبيعة العذراء بعيدا عن ضوضاء وصخب المدينة، كما تغدق عليهم بالهواء النقي  وتُخلّصهم من تلوّثات بعض الأماكن الحضرية، وزيادة على ذلك فقد يقصدها الباحثون للتدبّر في الظواهر الطبيعية لعلّهم يصلون إلى حقائق علمية مفيدة للإنسان.
في زيارة استكشافية قمنا بها لفضاء غابي بأعالي سيدي سرحان، توقفنا على الثراء النباتي للمنطقة، وتكمن أهميتها البيئية في أنّ الأشجار تمتصّ الغبار وتساهم في تنقية الهواء وترفع من نسبة الأوكسجين، فهي مصدر رزق للحيوانات التي تلعب أدوارا بصفة عفوية لتحقيق التوازن الإيكولوجي.
في هذا الصدد، يقول رئيس قطاع حمام ملوان: “القرد المغاربي عندما يتحرك لتحصيل غذائه بالصعود والنزول من أعلى المرتفعات ويتسلّق الأشجار، يقوم بتقطيع بعض أغصانها وكأنّه يقوم بعملية التقليم، كما يزرع بعض البذور التي تخرج من فضلاته”.
من جهته، يقول رئيس جمعية الأزرق، مراد سالي: “النباتات المنتشرة في حظيرة الشريعة لها أهمية اقتصادية وبيئية وسياحية، وتكمن أهميتها الاقتصادية في أنّها مصدر للرزق، والدليل أنّ سكان المناطق الجبلية يبيعون ثمار البلوط طوال الشتاء، كما يبيعون فاكهة اللنج التي تنضج في هذا الفصل كما يفعلون مع فاكهة التوت البرّي، وكلّ هذه الفواكه باتت تستهوي السياح نظرا لأهميتها الغذائية وفائدتها بالنسبة للصحّة، وأصبح أداة جذب سياحي”
في هذا الإطار، أوضحت مفتشة الغابات بقطاع حمام ملوان فضيلة قلاتي قائلة: “تزخر الحظيرة بأصناف نباتية طبية وعطرية مثل شجيرة الضرو المفيدة لأمراض الصدر وشجيرة الخزامى التي يستخرج منها زيت أساسي وهي نبتة عطرية، كما هو الحال الزعتر والإكليل الجبلي المفيدان اللذان يستعملان في علاج الأمراض”.
في السياق، تبذل الحظيرة الوطنية الشريعة جهودا للحفاظ على سلالات هذه النباتات الهامة، حيث تجلب البذور الأصلية من الطبيعة وتزرعها في مشتلات خاصّة بها، وهذا ما فعلته مع سلالة الأزر وكذا سلالة البلوط الزان الذي قلّ عدده في الفترة الأخيرة وترغب في زرعه في بعض المناطق، مع العلم أنّه متوفر بكثرة على ضفاف بحيرة الضاية يقول أسامة.
من بين المهام الأساسية للحظيرة الوطنية للشريعة إسهامها في التنمية الريفية، فهي تقدّم المشتلات لساكنة الأماكن الجبلية وتقدّم الإرشادات في المجال الزراعي، وفي هذا الصدد، يقول مسؤول قطاع حمام ملوان: “مؤخرا تقدّم إلينا أحد ساكنة المناطق الجبلية يستفسر بخصوص زرع شجيرة العنّاب التي يشبه ثمارها النبق، وأعتقد أنّه يرغب في الاسترزاق منها وقدّمنا له المعلومات الكافية”
كما تستقبل الحظيرة الوطنية أيضا الطلبة والباحثين الذين يجرون بحوثا حول النباتات والحيوانات، وهذا ضمن اختصاصها في المحافظة على البيئة والتنوّع البيولوجي الذي يميّز إقليمها، وتستقطب أماكنها السياحية هذه الفئة لهذا السبب.

شركة نظافة خاصّة بالحظيرة

فيما يخصّ حماية الغابات من الحرائق، فإنّ الحظيرة الوطنية للشريعة تنفذ بعض البرامج بالتنسيق مع محافظة الغابات لا سيما فيما يخصّ شقّ المسالك الترابية وتقويتها لأجل تسهيل تنقّل مركبات أعوان الغابات في المساحات الغابية في إطار حمايتها.
كما تقوم الحظيرة بعمليات تحسيس لتوعية المواطنين على أمل تفادي بعض السلوكيات التي تؤدّي إلى تخريب الغابات مثل رمي النفايات لا سيما الزجاجية منها، وفي هذا الصدد، دعا أسامة السيد إلى التوجّه نحو ردع مرتكبي المخالفات ضدّ الغابات في المرحلة القادمة إذا استمر ارتكاب هذه المخالفات ولم يجد معها التحسيس نفعا.
بدوره اقترح الناشط الجمعوي مراد سالي تأسيس شركة نظافة خاصّة بالحظيرة الوطنية للشريعة والتي تأخذ على عاتقها تنظيف الأماكن الملوّثة: “تتولّى هذه الشركة أيضا جمع النفايات من الأوساط الغابية من خلال وضع حاويات في الأماكن التي تعرف إقبالا للسياح”.
وأشاد المتحدّث بالسياح الذين يقصدون الحظيرة في جولات راجلة: “بحكم نشاطي في المجال كرئيس لجمعية بيئية اعتقد أنّ جلّ الشباب الذين يأتون في جولات راجلة بشكل منظّم يحملون معهم أكياسا يضعون بها النفايات ولا يرمونها في الغابات، وبالعكس يساهمون معنا أحيانا في بعض الحملات لتنقية المحيط”.
أما  رئيس قطاع حمام ملوان، فاعتبر عودة النازحين من الأرياف خلال فترة التسعينيات إلى أراضيهم الجبلية بأنّها مفيدة، وقال: “سكان المناطق الجبلية أول من يحرص على عدم المساس بالغابة لأنّه يخشى هلاك أشجاره التي غرسها وتأثر نشاطه الفلاحي، وزيادة على التبليغ فهم ينجزون التدخلات الأولية لإطفاء الحرائق”.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19654

العدد 19654

الأحد 22 ديسمبر 2024
العدد 19653

العدد 19653

السبت 21 ديسمبر 2024
العدد 19652

العدد 19652

الخميس 19 ديسمبر 2024
العدد 19651

العدد 19651

الأربعاء 18 ديسمبر 2024