موروث الأصالة والانتماء عبر العصور له مكانته في عيد الأضحى
تحافظ العائلات الأوراسية على بعض العادات والتقاليد المتوارثة عن الأجداد، خاصة ما يتعلّق منها بالمناسبات الدينية المقدسة على غرار عيدي الفطر والأضحى، معتبرة أن هذا الموروث ينمّ عن أصالة وهوية وانتماء لا يمكن التنازل عنه في كل الظروف. فرغم الانتشار الكبير لصناعة مختلف أنواع الحلويات العصرية، لا تزال حرائر الأوراس تبدع بأناملها في صناعة حلوى «المحقن» أو المعروفة بقاطو الاستقلال. «الشعب» توقفت عند هذا الموروث وتنقل أدق تفاصيله عبر صفحة «صيفيات» بمناسبة عيد الأضحى المبارك.
سمي «قاطو المحقن» بقاطو الاستقلال نظرا لرمزيته الكبيرة التي يحملها في قلوب الجزائريين، حيث يقال إنه من أولى الحلويات التي صنعتها النساء الجزائريات مباشرة بعد الاستقلال للاحتفال بالحرية والإنعتاق.
رغم الغزو الكبير لمئات الأنواع من الحلويات المختلفة الأشكال والأحجام والذوق، إلا أن العائلات الشرقية خاصة بولايات باتنة، خنشلة، أم البواقي، سوق أهراس وغيرها، تفضل التمسك بهذه العادة الأصيلة المتوارثة عن الأجداد للاحتفال بعيد الأضحى المبارك، وصناعة الحلويات التقليدية التي يتصدرها «قاطو الكروكي» أو «المحقن» أو الاستقلال كما يحلو لكل عائلة تسميته.
صمد في مواجهة الحلويات المعاصرة
من منا لا يحب هذه الحلوى التي تزيد المائدة خلال مواسم الأفراح والأعياد، فهي موجودة في أغلب البيوت الجزائرية، خاصة بباتنة.. ترمز للحرية، الأنفة والتاريخ. هي حلوى خفيفة، سهلة التحضير وغير مكلفة تقدم مع القهوة، الحليب، والشاي، حسبما أفادت به الخالة نعيمة في تصريح لـ»الشعب»، مبدية حرصا على هذا الطبق الحاضر في كل مناسبة أو فرح خاصة عيد الأضحى.
رغم أن عيد الأضحى مخصّص لشعيرة دينية عظيمة وهي النحر، ونظرا لغلاء المعيشة ومصاريف الدخول الاجتماعي والعطلة الصيفية، نجد الأسر الجزائرية حريصة على التقليل من صناعة الحلويات حتى أن هناك من لا تصنعها بتاتا، كون العيد مخصص لتناول اللحم والاستمتاع بطهي مختلف الأطباق التي يكون فيها اللحم مادة رئيسية.
لكن الكثير من العائلات لا تتخلى عن حلوى المحقن على غرار المقرود وحلويات تقليدية لا تزال تحتفظ بمكانتها المرموقة وسط المائدة الأوراسية الثرية بأطباق الكسكسي الشخشوخة والبوزلوف والدوارة.
أكدت الخالة نعيمة التي وجدناها منهمكة بأحد أسواق باتنة الشعبية في اقتناء لوازم صناعة حلوى الكروكي والمقرود، أن التطوّر الكبير الحاصل في عالم الحلويات وتنافس مختلف القنوات الجزائرية على تقديم أحدث الوصفات بتحضيرها، لم يؤثر هذا الزخم العصري والاتصالي، على مكانة المحقن الذي رافق حياة أجيال بكاملها في الجزائر منذ الاستقلال وصمد في مواجهة مختلف أنواع الحلويات، محتفظا بسحره ومذاقه الرائع.
وفي هذا الصدد قالت الخالة نعيمة لنا: «أن رائحة حلوى المحقن تنبعث أياما قبل عيد الأضحى من كل بيوت الاوراس، كونها سهلة الاستعمال ولذيذة ومطلوبة جدا من طرف كل أفراد العائلة، ويمكن الاحتفاظ بها لمدة أسابيع، و يضفي تواجدها في المنزل أجواء عائلية مميزة تصنع حلاوة العيد ولا يمكن التفريط فيها.
الكروكي رمز لعراقة المطبخ الجزائري
أما السيدة صليحة فأوضحت لـ»الشعب»، أنها لا تتصور، عيد أضحى بدون الكروكي، فهي رغم مشاغلها كونها موظفة، متمسكة بصناعتها حتى ان اقتضى الأمر تخصيص الساعات الأولى من فجر يوم العيد، قائلة في هذا المجال: «احتفظ منذ صغري بذكريات خالدة وجميلة عن رائحة ماء الورد والفرينة التي كانت تملأ البيت عندما كنت طفلة، كنت دوما حريصة على نقل هذا التقليد والموروث لبناتي، هذه الحلوى هي الوحيدة تقريبا التي تفضل أغلب نساء الأوراس صناعتها بأناملها في المنزل».
بالنسبة للسيدة صليحة فقد ورثت أسرار تحضير هذه الحلوى من والدتها المتوفاة قبل 8 سنوات والتي كانت تحرص على تلقينها كيفية صناعة الكروكي ليكون حاضرا في مختلف المناسبات خاصة عيد الأضحى لأنه يتمّ فيه الاستغناء لأسباب مادية عن باقي أنواع الحلويات الأخرى، إضافة إلى أن المحقن رمز لعراقة المطبخ الجزائري.
وعن أسباب اختيار الكروكي لمرافقة العائلة الأوراسية في أعيادها، أشار محمد وهو رب عائلة إلى أن هذه الحلوى اقتصادية وغير مكلفة خاصة بالنسبة للعائلات ذات الدخل المحدود، كحالته فهو يعمل بأحد مصانع الدواجن بعين التوتة، ولا يقوى على اقتناء مستلزمات حلويات المكسرات كاللوز، الفستق الحلبي والفول السوداني وغيرها دون الحديث عن مواد الزينة.
يرافق العائلات في زيارتها للأهل والأقارب
ونظرا للرواج الكبير الذي تحظى به حلوى الاستقلال، لدى العائلات الأوراسية، فهي حاضرة دائما وبالمنازل والمحلات التجارية المختصة في صناعة وبيع الحلوى خلافا لباقي أنواع الحلويات الأخرى المكلفة.
وفي هذا الصدد أوضحت السيدة فروجة وهي مختصة في صناعة وبيع الحلوى بمنزلها بحي باركافوراج بمدينة باتنة، أن الإقبال على حلوى الكروكي يتضاعف في مناسبتي عيد الفطر والأضحى، حيث تكون أغلب طلبيات الزبائن على حلويات العيد الأخرى مرفوقة غالبا بكمية من المحقن الذي لا يزال سعره في متناول الجميع، حيث لا يتعدى الـ650 دج للكيلو غرام الواحد.
ويبق قاطو الاستقلال سيدا للمائدة الأوراسية بامتياز، خاصة في عيد الأضحى، حيث يرافق النساء في كل زياراتهن للأهل والأقارب والجيران، كهدية رمزية للعيد ترافق كمية اللحم «السبة» أي حصة تلك العائلة من أضحية العيد.