عرفت عاصمة الشرق الجزائري خلال السنوات القليلة الماضية، قفزة نوعية وتطورا ملحوظا من خلال عديد المشاريع المسجلة بمختلف القطاعات والتي أعطت وجها حضاريا للمدينة وزادت من رونقها التاريخي.
المشاريع الجاري إنجازها كانت في معظمها تمس المنشآت الفنية، بدءاً من الجسر العملاق، الذي يعتبر امتدادا تاريخيا لمدينة الجسور المعلقة والذي يجري إنجازه بقلب المدينة والذي سيستلم في غضون السداسي الأول من السنة المقبلة، يعتبر بمثابة الأسطورة لعاصمة الشرق الجزائري، وصولا إلى مشروع الترامواي والتيليفيريك الذي غير من منظور النقل الحضري بالمدينة وساهم في ترقيتها بالطريقة التي تتمشى والتطورات الحاصلة بالمجتمعات الأخرى…
كل التفاصيل في هذا الاستطلاع الذي أجرته “الشعب” بعين المكان.
إنها إنجازات قسنطينة العريقة التي تسابق الزمن لاسترجاع مكانتها المفقودة كعاصمة للشرق الجزائري ومدينة للعلم والعلماء وهي الصفة التي ترجمت في إنجاز قطب جامعي يحتوي على مجمل المعاهد والجامعات والإقامات الجامعية.
جاءت هذه الإنجازات تجسيدا لمشاريع ضمن برنامج رئيس الجمهورية، مكنت بعدها قسنطينة من انتزاع تظاهرة عاصمة الثقافية العربية لسنة 2015، المنظمة من طرف المنظمة العربية للثقافة والعلوم «أليسكو» خلال أشغال دورتها الواحدة والعشرين المنعقدة مؤخرا بتونس.
إختيار قسنطينة من طرف «الأليسكو» يشرّف الجزائر عموما وسيرتا، باعتبارها مهد الحضارات الإنسانية، حيث انطلقت بها مسيرة إنجازات ضخمة ستغيّر من الوجه العام للمدينة التي عاشت التهميش لسنوات مضت.
هي قسنطينة اليوم… سيرتا المشاريع والإنجازات الاستراتيجية، هي اليوم عاصمة الشرق بلا منازع ستفتح مع مطلع سنة 2015 أبوابها لاحتضان تظاهرة ثقافية عربية؛ فبدءاً من مشاريع في طريقها للتجسيد وأخرى للتسليم، نجد مشاريع ثقافية كبيرة ستخلّد لعمق تاريخها وحضارتها، على غرار قاعة وصالة العروض الكبرى “زينيت” وفندق “ماريوت” ذي السلسلة العالمية، هذا الذي تجاوزت نسبة إنجازه 45 من المائة، زيادة عن مشاريع لإنجاز متاحف وطنية للفنون والتاريخ، فضلا عن عمليات لترميم وتهيئة صروح ثقافية وعلمية ستكون واجهة المدينة الثقافية.
بين حقيقة الإنجازات
وواقع تسليم حرم جامعي ضخم
المدينة الجامعية الجديدة علي منجلي، هذا الصرح البيداغوجي الضخم المتربع على أكثر من 170 هكتار، والذي يعتبر الأول من نوعه على المستوى الوطني عموما والإفريقي خصوصا، كان في بداية الأمر مجرد تصور شامل لمفهوم عام لمدينة جامعية تتكون من مرافق بيداغوجية واجتماعية ومدارس وطنية، تمثلت معظمها في إقامة 10 معاهد ومدارس و19 إقامة جامعية، فضلا عن إنجاز مطعم مركزي ومكتبة كبرى.
الإنجازات الضخمة هذه والتي في طريقها لرؤية النور، تطلبت في مجملها غلافا ماليا قدر بـ40 مليار دج وذلك بعد القيام بعديد عمليات إعادة التقييم. وستحتضن المدينة الجامعية الجديدة ما مجموعه 13 كلية و19 إقامة جامعية ومركبا رياضيا وحظيرة علمية ومكتبة بـ3 آلاف مقعد وقاعة محاضرات كبرى و4 قاعات للندوات وسكنات وظيفية والحرم الجامعي المساير للقرن الواحد والعشرين.
تتكون هذه المنشآت من مدارس كبرى مخصصة لإعطاء “بعد عالمي” للتعليم الجامعي ولتشجيع البحث العلمي في الجزائر، إلى رؤيتها متألقة على الصعيد الدولي.
في جولتنا الميدانية، لاحظنا مدى التقدم السريع في وتيرة الأشغال، حيث تمكنت المؤسسة الصينية “تشاينا ستايت كونستراكشن أند إنجنيورين كوربورايشن”، الحاصلة على مناقصة الإنجاز، والمتابعة من طرف ثلاثة مكاتب دراسات و«عدد كبير” من إطارات مديرية السكن والتجهيزات العمومية، من إنهاء أربعة معاهد تتضمن ما مجموعه 16 ألف مقعد بيداغوجي، مثل أقطاب الهندسة المعمارية والتسيير الحضري والعلوم السياسية والبيوتكنولوجي.
وتجري الأشغال على قدم وساق من أجل وضع آخر اللمسات على مدارس الطب والفنون والاتصال والسمعي البصري والهندسة والعمليات الصيدلانية التي ينبغي أن تكون جميعها جاهزة في فيفري 2014.
وفي جزء آخر من هذا الحرم الجامعي “يتحدّى” مئات العمال الزمن من أجل أن تكون 1500 وحدة سكنية مخصصة للأساتذة الجامعيين جاهزة، وحتى لا يترك أي شيء للصدفة، تم تنصيب خلية لمصالح المراقبة التقنية للبناءات بالموقع من أجل ضمان المطابقة التقنية للأشغال “بشكل دائم”.
مشاريع استراتيجية في الواجهة
هي المشاريع الهيكلية التي دفعت بوتيرة التنمية المحلية بالولاية، انطلاقا من إنجازات ضخمة كان على رأسها مشروع إنجاز الجسر العابر لوادي الرمال، الذي يعتبر منشأة فنية ضخمة تشكل مشروعا رائدا بمدينة قسنطينة وتسلسلا طبيعيا ومنطقيا في تاريخ مدينة الجسور المعلقة.
الجسر، يمتد على مسافة 1150 متر، بطريق مزدوج وعرض 27 مترا وعلو يزيد عن 130 متر مع محول اجتنابي على طول 7 كلم سيربطه بالطريق السيار شرق ـ غرب ومختلف أحياء المنطقة الجنوبية من الولاية، على غرار أحياء ساقية سيدي يوسف، الدقسي وجبل الوحش.
كما سيمكن، بحسب أهل الاختصاص، من فك الخناق بشكل كبير على قلب المدينة، حيث ينتظر أن يستقطب الجسر نسبة 70% من حركة السير من وإلى وسط المدينة، كما سيمكن من تخفيف الضغط على جسر سيدي راشد الذي سيتم غلقه أمام حركة السير بعد دخول الجسر الجاري إنجازه حيز الاستغلال وذلك لحمايته من الانهيار، على أن تقتصر الحركة فوقه على الراجلين فقط.
وتتولى الشركة البرازيلية “أندراد-غوتيراز” عملية إنجاز الجسر الذي يربط بين ضفتي وادي الرمال على مسافة أكثر من 1100 متر، حيث تمتد على 4٫3 كلم بين “توصيلات” و«مداخل” بين ساحة الأمم المتحدة وقلب المدينة وسطح المنصورة فوق وادي الرمال الذي يتواجد بـ130 متر أسفل.
ويتضمن الجسر العملاق، بعرض 27 مترا، طريقين لحركة السير وأرصفة للراجلين على جوانبه، ويمتاز الجسر العابر لوادي الرمال بضمان أقصى شروط السلامة والأمن من خلال أساسات وأعمدة مكيفة مع الطبيعة الوعرة للأرضية وحمالات الخروج والدخول مصمّمة لمقاومة الزلازل والرياح، حيث ستوفر هذه المنشأة الخدمة للمنطقة الشرقية كلها للمدينة.
وتعرف أشغال إنجاز الجسر العابر لوادي الرمال تقدما، إذ يعد الجسر ثامن جسور المدينة المبنية على صخرة ويعرف تقدما ملموسا بـ50 من المائة، فيما بلغ جزء ربطه بالطريق السيار شرق - غرب بـ25 من المائة.
المنشأة الفنية التي رصد لها في البداية 15 مليار دج ليصل المبلغ المخصص لإنجازها إلى 31 مليار دج، تتضمن عملية إعادة التقييم، ربط الجسر العابر لوادي الرمال بالطريق السيار شرق - غرب عبر مقطع بطول 11 كلم.
وبحسب المسؤولين المحليين المكلفين بقطاع الأشغال العمومية لـ«الشعب”، فإنه من المزمع تسليم هذه المنشأة الفنية في غضون “السداسي الأول من 2014”، بعد أن تمكن البرازيليون، منذ 43 سنة من إنجاز جامعة منتوري من طرف المهندس المعماري الشهير الراحل “أوسكار نييميار”، يعملون حاليا على “رسم” تقاطع آخر بين ضفتي وادي الرمال يعكس درجة تطور مدينة تطمح إلى استعادة مجدها الغابر.
الجسر العملاق... طفرة هندسية
الجسر العملاق ذو الطريق المزدوج، يعتبر إثباتا حقيقيا لدرجة وتيرة التنمية في الجزائر وذلك بعد مرور 51 سنة من الاستقلال واسترجاع السيادة الوطنية.
انطلقت أشغال إنجازه في سبتمبر 2010 ليشكل تناغما لا جدال فيه مع نظيره جسر “سيدي راشد”، الذي يعلو مدينة الصخور والجسور المعلقة والذي ينفرد بتصميمه الهندسي الفريد عالميا.
بلغت التكلفة الابتدائية للمشروع 15 مليار دج وخضع المبلغ من جديد للمراجعة ليقفز إلى 29 مليار دينار، بحسب مديرية الأشغال العمومية، التي أوضحت أن هذه االمسألة جاءت للتمكن من إدخال تعديلات وتحسينات على هذا الهيكل الفريد من نوعه في الجزائر.
وفي هذا السياق، سيدعم هذا المشروع بمحول اجتنابي بطول 7 كلم ليلتحم بالطريق السيار شرق -غرب، كما سيتم ربطه بمطار محمد بوضياف، لتسهم هذه القيمة الجمالية العمرانية المضافة في تسهيل عملية التنقل بالمدينة، بحسب ما أكدته مديرية الأشغال العمومية.
ويحتم القدر على سكان مدينة قسنطينة التواصل عبر جسورها المعلقة، لذا ليس من المفاجأة إنشاء جسر عملاق يربط أطراف المدينة ويلتحم سكانها فيما بينهم.
وبحسب تقدير سكان سيرتا، يذهب البعض الآخر إلى حد الإشادة بهذا المشروع الذي سيغيّر حتما التسمية الملتصقة بالمدينة، إذ ينعتها البعض بمدينة الديكور والزي الموروث، وسيرفع ابتداء من صائفة 2014 الجسر العملاق جزءا كبيرا من الحمل الثقيل الذي يعاني منه نظيره جسر “سيدي راشد” ليشاركه ثقل الحركة المرورية وليضفي على المدينة سحرا ورونقا أخّاذ، لاسيما من المنظر الجوي لتصدق تسميتها بـ«عش الصقر النوميدي”.
مشروع القرن الذي استفادت منه قسنطينة والذي وضع حجر أساسه رئيس الجمهورية، السيد عبد العزيز بوتفليقة، إضافة الى مشروع الجسر العملاق من وسائل نقل جماعية حضرية، زادت مكانة متميزة وراقية للمدينة. فالترامواي والتيليفيريك هي وسائل نقل عصرية، باعتبارها ثالث أكبر مدن بالجزائر والعاصمة الثقافية لها، تشغله مؤسسة “الفرنكو – جزائرية” شركة تسيير خطوط الترامواي (Setram)، الذي يبلغ طوله حاليا 7.2 كم بـ11 محطة.
ويعتبر الخط الأول من ترامواي قسنطينة، الذي يتوقف عند 11 محطة نظامية، وبإمكانه نقل 6000 راكب في الساعة، في مدة تستغرق نصف ساعة على امتداد 8 كلم، وتتواجد على خط الترامواي 3 أقطاب تبادل، والذي سيسمح باستقبال الخطوط المتجهة جنوبا، وتعتبر هذه الأقطاب الثلاثة مساحات مفتوحة تهدف إلى تسهيل التنقل عبر مختلف وسائل النقل كسيارات الأجرة، الحافلات، القطار والترامواي.
محطة ترامواي المجهزة بمصاعد وسلالم ثابتة وميكانيكية، وهو مبرمج لعملية توسعة على مسافة 13 كلم إلى غاية مدينة الخروب، مرورا بالمطار الدولي محمد بوضياف وعلي منجلي، على أن تنطلق أشغال الخط الثاني في الثلاثي الأخير من 2014. وبالنسبة لعمليات الصيانة، فإنه منذ دخول السنة الجديدة شرعت شركة “سيترام” من خلال ورشاتها في أشغال الصيانة.
واستطاعت في ظرف وجيز تأطير أكثر من 500 عون، أقل من 30 سنة، عن طريق الوكالة الوطنية لتشغيل الشباب، تلقوا تكوينا قصيرا داخل المجمع، حيث استطاع المشروع من امتصاص البطالة في إطار تحويل الكفاءات والخبرات.
هي قسنطينة الإنجازات، كللت اليوم بمشاريع ضخمة وإنجازات تنموية استرجعت من خلالها مكانتها كعاصمة للشرق الجزائري، هذا بعيدا عن التطورات الحاصلة بقطاعات أخرى على غرار السكن، الاستثمار والفلاحة. وهي مشاريع سنتطرق لها في أعدادنا القادمة ضمن التحقيقات الكبرى “مشاريع وإنجازات”.