تعاني الإهمال وغياب المراقبة

المساحات الخضراء بسكيكدة.. عقارات مشاريع للبناء

استطلاع: خالد العيفة

بالرغم من اتساع ولاية سكيكدة التي يقطن بها كثافة سكانية كبيرة، حيث تقدر مساحتها بـ ٤١٣٧,٦٨ كلم٢ فيما يتجاوز عدد سكانها ٩٠٠٠٠٠ نسمة، وبالرغم من ذلك فهي لا تحتوي على عدد كبير من المساحات الخضراء، ومع هذا فإن الموجود منها سرعان ما بدأت تتناقص بفعل سوء التسيير و تحويل عدد منها إلى وعاء عقاري وتجمعات سكانية، كمثال ببلدية القل التي التهمها الاسمنت من كل الجوانب.
كما انعدم العناية بالمساحات الحالية، كصيانتها والاهتمام بها، مادام أنها تعتبر الرئة الوحيدة التي تتنفس بها مختلف المدن والتجمعات السكانية، الأمر الذي أدى بعدد من المهتمين بالبيئة والسكان إلى توجيه إنذار وانتقادا شديدا اللهجة إلى السلطات المحلية وعلى رأسها المجلس الشعبي البلدي بالقل، بسبب التقصير الكبير والوضعية الكارثية التي تتواجد عليها تلك المساحات، إضافة إلى انتهاك البقية وتحويلها إلى مشاريع سكنية كالمساحة الموجودة بحي بوسكين وسط مدينة القل.
وحسب عدد من المهتمين بالمجال البيئي والذين التقينا بهم، فإن الاهتمام والعناية بالمساحات الخضراء المتواجدة بالمدينة، تعتبر من آخر اهتمامات المسؤولين والمنتخبين، الذين وفي حالة اهتمامهم بها، فإنهم يقومون سوى بتنظيفها في بعض الأحيان، أو صيانة عدد منها وبطريقة تشوّه صورتها الحقيقية، وضربوا مثالا حيا على ذلك، بعدد من المساحات الخضراء التي تعاني من الإهمال، خاصة المتواجدة بالجهة الجنوبية للمدينة، والمساحة التي كانت من المفروض رئة سكيكدة بالمنطقة المعروفة بـ «القرقر» بوسط المدينة بمحاذاة برج حمام، التي حولها مستثمر إلى مشروع لبناء فندق سياحي في لمح البصر، بالرغم من أن تلك المنطقة كانت في العهدات السابقة للبلدية مبرمجة لإقامة مساحة خضراء تسع أبناء المدينة، خصوصا وأنها لا تحتاج إلا للمسات والعناية اللازمة من قبل البلدية، والأمر الأكثر غرابة قيام السلطات المحلية بتهيئة بعض الساحات وإهمال الجانب البيئي، بالإضافة إلى قيام مصالح البلدية بغرس مختلف أنواع النباتات والأزهار الغالية الثمن، ومن ثم تركها تموت، فبالرغم من تنصيب خلال سنة ٢٠٠٩، لجنة وزارية مشتركة للمساحات الخضراء، وتضم ممثلين عن ١٠ وزارات وخبراء في المجال، ويعين أعضاؤها لمدة ثلاثة سنوات، وتجتمع مرتين في السنة وهذه اللجنة من المفترض أن تهتم بدراسة مشاريع ومخططات من شأنها تطوير المساحات الخضراء في بلادنا، إلا أن واقع الأمر بعيد المنال في واقع محلي كئيب يعيش في متاهات كرست تقهقر المدن إلى مصاف قرى كبيرة.
عرفت المساحات الخضراء بولاية سكيكدة خلال السنوات الأخيرة تراجعا رهيبا بفعل التهام الإسمنت المسلح العديد من المناطق الخضراء، التي تحولت أمام المشاريع الفوضوية التعمير إلى مناطق عمرانية وأراض مخصصة للبناء، كما هو الحال ببوعباز بمدينة سكيكدة التي كانت مبرمجة كمنطقة خضراء لامتصاص غاز ثاني أكسيد الكربون، الذي أضحى يشكل إحدى أكبر السلبيات لتواجد المنطقة الصناعية البتروكيماوية القريبة من المدينة.
والمساحات الخضراء المتواجدة بسكيكدة تقدر بـ ١٩٧٤متر مربع من أصل ٤٣٠ هكتار، يمكن استغلالها فعليا كمساحات خضراء، لكن العديد من الأنسجة العمرانية لمراكز البلديات التابعة للولاية تملك فعلا مساحات خضراء نظريا حسب المخطط التوجيهي لشغل الأراضي، لكنها في أرض الواقع تبقى غير مهيأة على الإطلاق، وعرضة للإهمال والنهب المقنن، ولعلّ غياب ثقافة المساحات الخضراء لدى عوام الناس جعلها آخر شيء يمكن للمجالس البلدية المنتخبة أن تفكر فيه، والدليل على ذلك الواقع المر الذي أضحت تعيشه هذه الأخيرة أنه لا توجد أزهار أو حشائش خضراء أو أشجار، والموجود منها معرض للإهمال.
وتحصي مدينة سكيكدة ٢٤ حديقة عمومية، الكثير منها يعود إلى الحقبة الاستعمارية، جزء منها يتواجد بالجهة الشمالية من المدينة والباقي بالجهة الجنوبية منها، وإذا كانت الحدائق المتواجدة بالجهة الشمالية من المدينة تحظى بنوع من الاهتمام، فإن الباقي لاسيما تلك المتواجدة بأطراف المدينة تعرف إهمالا كبيرا وتسيبا لا مثيل له وتراجعا، فإلى جانب قيام بعض الأشخاص بإنجاز أكشاك وسطها كما والحال بحي الأمل وحي ٥٠٠ مسكن ينعدم الماء للسقي صيفا، كما تعرف الحراسة نقصا كبيرا، إذ أن ١٥ حارسا من أصل ٢٠ معوقا حركيا والباقي يشتغلون إلا في الأوراق، وجاء تقرير المجلس الشعبي الولائي لسكيكدة مؤكدا لهذا الواقع المر، فقد تعرض السياج الحديدي لبعض الحدائق إلى التخريب والسرقة، وما زاد في الوضع أكثر كارثية عدم اهتمام كل المجالس المنتخبة بهذا الملف بسبب ضعف الميزانية المخصصة للاعتناء به، وحتى لتوظيف عدد من البستانيين المتكونين والمؤهلين، بالخصوص متخرجين من الجامعة ومن المراكز التكوينية المتخصصة، والأمر في كل هذا افتقار مدينة سكيكدة إلى مشتلة للتجارب العلمية، وكذا حظيرة للتسلية.
أما حديقة التسلية التي كانت فيما سبق بالثمانيات مقصد العائلات السكيكدية للتنزه والهروب من زحمة المدينة، تحولت إلى مكان يقصده كل خارج عن القانون من سكارى، وممارسين للرذيلة، زيادة عن الإهمال والتسيب بعد أن تعرضت مساحات منها لزحف للإسمنت المسلح وهذا أمام صمت السلطات المحلية والولاية، ويبقى المشروع الذي ينتظره مواطني المدينة المتمثل في حظيرة الألعاب يراوح مكانه لبطء الأشغال وعدم جديتها.

مفرغات.. في الهواء الطلق

كما تحولت العديد من المساحات الخضراء بعاصمة الولاية سكيكدة إلى مفرغات عمومية للنفايات المنزلية، خاصة بالعديد من الأحياء مثل المساحة التي توجد خلف المستشفى بجانب الطريق العلوي الذي يربط مقر الولاية بوسط المدينة، الذي تحول إلى مفرغة مختصة في علب الخمر المتنوعة، وأحياء مماثلة، يتسبب فيها مواطنون يفتقرون إلى ثقافة التمدن من جهة، وإهمال السلطات المحلية وغياب الرقابة، إلى جانب نقص وسائل الردع الكفيلة بتغيير بعض السلوكيات المشينة.
وتعاني أغلب المشاريع السكنية المنجزة مؤخرا بسكيكدة من مشكلة انعدام المساحات الخضراء وأماكن لعب الأطفال، كما أنها تشهد اكتظاظا في السكن وفوضى مرورية عارمة، تجعل ساكنيها يشعرون باختناق دائم، ويتساءل المواطنون عن سر إغفال مهندسي هذه الأحياء لمثل هذه المرافق، أم أن المساحات خصصت وبيعت بطرق ملتوية.
وتكفلت المؤسسة العمومية الولائية لتسيير مراكز الردم التقني في تهيئة بعض المساحات خضراء، المتواجدة على مستوى المدينة، وذلك بعد أن قرر والي الولاية تكليف هذه الأخيرة بتهيئة المساحات الخضراء والحدائق العمومية المتواجدة بعاصمة الولاية، وهذا بعد أن عجزت مصالح بلدية سكيكدة في التكفل بهذه الأخيرة التي أضحت في وضع مترد، حيث تقلصت العديد من المساحات الخضراء التي غزاها الإسمنت المسلح وتحولت بعضها، وعلى قلتها، إلى أوكار للمنحرفين ومتعاطي الخمور وممارسي الرذيلة، ناهيك عن تدني المحيط.
العملية التي مسّت مربع باب قسنطينة والمساحة الخضراء بابن حورية، وكذا جزء من المساحة الخضراء على مستوى محطة نقل المسافرين محمد بوضياف وأجزاء من مربعات ساحة أول نوفمبر بوسط المدينة، أعطت نتائج جد مشجعة، بعد أن قام عمال هذه المؤسسة العمومية بتهيئة هذه الأماكن بزرعها بالعنب الطبيعي والأزهار وتقليم الأشجار، مما ترك انطباعا حسنا لدى المواطنين الذين يأملون في أن تعمم العملية على مستوى كل أحياء المدينة، إلا أن الأمر لم يغير من الوضع القائم وبقيت جل الحدائق تحت رحمة الإهمال والاحتلال من قبل أسراب المتشردين والشواذ.

١٣ مليار سنتيم دون فائدة

صرف ١٣ مليار سنتيم في إنجاز مساحة خضراء بين الطريق الوطني رقم ٤٤ ومصنع المصبرات عند مدخل قرية بومعيزة التابعة لبلدية بن عزوز شرق سكيكدة، دون تسجيل فائدة من هذا المشروع، وقد وجه والي ولاية سكيكدة، تحذيرا شديدا لمديرية التعمير للولاية من تكرار مثل هذه العمليات التي أعتبرها هدرا للمال العام بدل تهيئة القرية وتطوير شبكات الصرف الصحي وصرف المياه المستعملة ومياه الأمطار والإنارة العمومية.
وأشار الوالي خلال زيارته للمساحة الخضراء في إطار زيارة العمل التي قام بها لدائرة بن عزوز، أنه كان من الأجدر على الذين أمروا بإنجاز هذه المساحة التي لا يستغلها أحد ولا ينتفع منها أي واحد بما في ذلك سكان القرية عوض أن يستعملوا هذا المبلغ الكبير لحل مشاكل ٢٠ في المائة من سكان القرية، وأمر مديري الهيئة التنفيذية الولائية بعدم برمجة أو إنجاز أي مشروع مستقبلا لا تكون له تأثيرات إيجابية على السكان وعلى المنفعة العمومية.
واشتكى العديد من سكان مجاز الدشيش عندما قادتنا جولتنا الاستطلاعية، من النفايات التي تنتشر في الحديقة المقابلة لمقر البلدية  المغلقة، حيث شوهت المنظر العام للمنطقة وأصبحت تبعث على الاشمئزاز لدى ساكنيها والمارة، حيث تم استبدال المساحات الخضراء بأكوام من النفايات المنزلية المنتشرة بكل زوايا الحديقة دون تدخل للسلطات المحلية لتغيير الوضع، ناهيك عن التصرفات التي شوّهت البلدية من شرب الخمر في وضح النهار، وانتشار الشواذ في ربوعها دون اكتراث من مصالح الأمن، لخطورة الوضع على السكان والمارة، خصوصا بأطراف النهار، والأوقات التي تقل بها حركة المواطنين، وقد أصبح الوضع يهدّد حياتهم وصحتهم، ناهيك عن تخريب النسيج العمراني للمنطقة بسبب انتشار الأوساخ والروائح الكريهة والحشرات الضارة.
وتفتقر مدينة عزابة ثاني أكبر مدن ولاية سكيكدة البالغ عدد سكانها أكثر من ٧٠ ألف نسمة إلى العديد من شروط التنمية كمساحات خضراء والأماكن المخصصة للتسلية والترفيه تكون متنفسا للشباب و العائلات و تقضي على مظاهر الغبار والأكياس البلاستيكية المتناثرة ومن شأنها أن تعيد البريق للمدينة التي ضاع جمالها بين الأرصفة المهترئة وأكياس القمامة، حيث طغت البنايات والعمارات على كل أرجاء البلدية، وبالرغم من الإمكانات الهائلة التي تتوفر عليها مدينة عزابة تبقى تعاني من هذا الجانب لفقد المسؤولين المحليين إلى ثقافة المساحات الخضراء واللهث وراء مصالح أخرى دون اعتبار للمواطن الذي ضاقت به البنايات الإسمنتية.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024
العدد 19518

العدد 19518

الإثنين 15 جويلية 2024