أيّ تعريف للفنّان؟

أسامة إفراح
03 جوان 2018

لطالما كان تعريف المصطلحات والمفاهيم نقطة ضعف مشهدنا الثقافي..مشهد يعرف إطلاق الصّفات والأحكام بلا تحكّم ولا دقّة. في عُجالة، ارتأينا أن نبحث عن ملامح تعريف للفنان..الجواب الأكثر شيوعا: «هو ذاك الذي يقدّم فنّا»، ما يحيلنا على سؤال آخر: وما هو الفن؟ وهنا نصطدم بمطاطية وضبابية كبيرتين في التعريف بالفن، وبالتالي بالفنان، فكيف نستطيع التفريق بين الفنان وغيره؟
أحيانا، يكون المسار معكوسا: «الفن هو ما ينتجه الفنان»، هو ما نسمعه عادة حينما يتعلق الأمر بأشخاص يُتّفق على كونهم فنانين، ولكن، هل ما يقدّمه الفنان من إنتاج أو «إبداع» هو بالضرورة فن؟؟؟ وهكذا نجد أنفسنا مرة أخرى في نفس الحلقة المفرغة.
كثيرة هي الأسئلة التي يمكن طرحها في هذا الصدد، وبنفس طريقة التفكير: إذا كانت العبرة بالعمل الفني، كيف نسمي من يشارك في إنجاز عمل فني وهو ليس فنانا؟ مثلا، يتطلب إنجاز الأعمال السينمائية الكبرى عددا ضخما من الأشخاص باختلاف وظائفهم وموقعهم من سلسلة الإنتاج، فهل يمكن القول إنّهم جميعا فنانون؟ وإن لم يكن الأمر كذلك، فكيف تمكنّا من التفريق بين الفنان وغير الفنان؟
في غياب تعريف يلقى إجماعا، يمكننا تلمّس عدد من الصفات تجتمع في الفن، منها:
صفة البشرية: الفن هو نشاط إنساني، بعبارة أخرى هو مرتبط بالإنسان دون غيره.
صفة الحسّية: الفن حسّي وجداني، أي أنه يخاطب الحواسّ والوجدان والعاطفة. ونجد في معجم المعاني الجامع أن الفن هو: «جملةُ الوسائل التي يستعملها الإِنسان لإِثارة المشاعر والعواطف وبخاصة عاطفة الجمال، كالتصوير والموسيقى والشعر»، وهو أيضا: «مهارةٌ يَحكُمُها الذوقُ والمواهب».
صفة الحرفية والمهارة: لطالما ارتبط الفن بالحرفية والإتقان، حتى أن المرادف الأجنبي للكلمة مشتق من اللاتينية Ars التي تعني التحكم التقني والمهارة وأحيانا الموهبة. كما نقول في اللغة العربية إن فلانا تفنن في الأمر أي مهر فيه. ولنتوقّف قليلا عند هذه النقطة: إذا كان الحرفيّ هو أصل الفنان، فلماذا لا نعتبر أصحاب الحرف التقليدية فنانين؟ ولماذا نجدهم يتبعون وزارة السياحة وليس وزارة الثقافة؟
أما صفة الإبداع فعليها اختلاف: يجب التفريق بين مفهومي الإبداع Créativité والخلق Création، فالفنان لا يخلق شيئا جديدا من عدم، وإنما يشكل صورا وأعمالا غير مألوفة في توليفات من مواد أو صور مألوفة، وذلك باعتماد الخيال، ولعلنا نجد هذه الفكرة في مقولة أرسطو: «الفن يقلّد الطّبيعة».
كل هذا يقودنا إلى مفهوم آخر هو «دمقرطة الفن»، فبعد خروج «الفن» من دائرة التقنية (أو «تكني Tekhne» بالإغريقية)، والمهارة الحرفية والإتقان، وهو ما تجلّى في الفن المعاصر وما جاء به من تجريدية، توسّعت الدائرة لتشمل عددا أكبر من أشكال التعبير، وبالتالي عددا أكبر من «المبدعين» الذي اعتُبروا بذلك «فنانين»..ولكن ألم تعمّق «دمقرطة الفن» من التخبّط الذي يغرق فيه إدراكنا لهذا المفهوم؟
في الأخير، وحتى نُبقي على بصيص نور يرشدنا في هذا التيه، نستشهد بقول ليو تولستوي، في كتابه الشّهير «ما هو الفن؟»: «قيمة الفن لا تقاس بمقياس مجرد كنظريات علم الجمال مثلاً، بل بصلته بالناس والمبادئ السامية التي لا بد منها لحياتهم، لا يمكن تجريد الفن من مفهوم الفضيلة». حينذاك، قسّم تولستوي الفن إلى «طيب، خبيث، وزائف»..وما دمنا لم نصل إلى تعريف للفن والفنان، فلنتمنّ على الأقل أن لا يكونا من النوعين الثاني والثالث.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19634

العدد 19634

الأربعاء 27 نوفمبر 2024
العدد 19633

العدد 19633

الثلاثاء 26 نوفمبر 2024
العدد 19632

العدد 19632

الإثنين 25 نوفمبر 2024
العدد 19631

العدد 19631

الأحد 24 نوفمبر 2024