إن خيار تنويع الاقتصاد الوطني والخروج من سطوة المحروقات وتقلبات أسعارها في الأسواق الدولية لا يمكن تجسيده إلا ببعث قطاعات يمكنها أن تكون بديلا عمليا للريع مثل الفلاحة، الصناعة، النسيج والبناء وغيرها ولكن هذا لن يتحقق إن لم يتم التفكير في توفير اليد العاملة المكونة والمؤهلة القادرة على الاستجابة من حيث الكم والكيف لتحولات بهذا الحجم وهنا تظهر أهمية معاهد التكوين المهني التي يمكن أن تكون بنوكا لليد العاملة التي يحتاجها الاقتصاد الوطني في هذا الانتقال الذي يحتاج إلى وتيرة تكوين عالية وسريعة خاصة في بعض التخصصات.
لقد بيّنت الورشات الكبرى التي تم فتحها في مجال السكن حجم العجز الذي سجلته بلادنا في اليد العاملة في مجال البناء والأشغال العمومية مما اضطرنا إلى استيرادها لتنفيذ هذه البرامج التي لم تكن تحتمل الانتظار أكثر وهي تذكرنا بأننا قد نواجه نفس المشكل في قطاعات أخرى مستقبلا إن لم نسارع إلى تكوين يد عاملة وطنية تغطي حاجات قطاعي الفلاحة والصناعة وبعملية حسابية بسيطة يمكن أن نأخذ فكرة عن حاجة الجزائر مستقبلا في مجال صناعة السيارات في حال تم اعتماد 40 مصنعا في مجال تركيب السيارات والمركبات معا ولنفرض أن كل مصنع سيحتاج إلى 100 عامل فقط في مختلف التخصصات ما يعني أننا سنكون بحاجة إلى 4000 عامل في هذه الشعبة وحدها خلال السنوات المقبلة وماذا لو احتاج كل مصنع 1000 عامل؟ وهذا دون احتساب القطاعات والشعب الأخرى.
إن التكوين المهني والتمهين قطاع استراتيجي ستزداد أهميته أكثر خلال السنوات القادمة على اعتبار أن كل الانظار ستتوجه إلى المتخرجين من معاهده من أجل الحصول على المورد البشري وهنا لابد من التذكير بجزئية مهمة وهي أن كلفة ونوعية اليد العاملة هي إحدى المعايير الرئيسية التي ترسم توجهات الاستثمارات العالمية وهذا ما يبرر اختيار الشركات الصناعية الكبرى لقارة آسيا التي عرفت دولها كيف تراهن على هذا العامل لاستقطاب الاستثمارات من جهة والقضاء على آفة البطالة من جهة أخرى.