يرتبط مستقبل الأمن الاقتصادي بكونه صمام أمان للمرحلة الراهنة ولمستقبل الأجيال بمدى التحكم في ملف الأمن الطاقوي من خلال السيطرة على كافة جوانبه المتعلقة بتأمين الطلب الداخلي، ولكن أيضا حماية وتنمية حصص الجزائر في الأسواق العالمية. ولأنه لا يمكن لبلد لديه طموحات ويواجه تحديات أن يضع كافة أوراقه في قبضة شراكة أحادية، ينبغي تعزيز مسار تنويع الشركاء مثل توسيع الانفتاح على قوى اقتصادية يتوفّر لديها الاستعداد للعمل وفقا للتوجهات التي حدّدتها الجزائر وإجادة التفاوض حول صفقات ثقيلة مثل عقود الغاز طويلة المدى.
وسجل المدير العام للشركة الوطنية للمحروقات «سوناطراك» بهذا الخصوص موقفا حاسما، عندما أعلن بلغة صريحة «رفض الانصياع لشروط بعض بلدان أوروبا» التي تحاول اللعب على حبال سوق الغاز بتقديمها شروطا لا تعكس مدى التعاون الذي أنجز في الماضي وتتنكّر لالتزامات الجزائر بتأمين السوق الأوروبية بالغاز، خاصة أثناء الأزمات. وصرّح ولد قدور بشكل واضح أنه لا مجال لمحاولة فرض خيار تحرير سوق الغاز الطبيعي، إنما يجب أن يدخل الشركاء في مفاوضات جديدة لتمديد عقود طويلة الأمد وفقا لقواعد متوازنة ومنصفة تراعي مصالح الطرفين، مما يحمي السوق من أي اضطرابات محتملة، خاصة وأن العالم في جانب كبير من أقطابه الجيواستراتيجية يعرف توترات لا يمكن تجاهلها بالنسبة لعنصر الاستقرار الذي يحتاج إليه المجتمع الدولي من أجل الرفع من وتيرة النمو لفائدة الشعوب.
في هذا الإطار يندرج الانتقال الطاقوي الذي يتمّ السعي إليه ضمن رؤية متكاملة تراعي المتطلبات المحلية والدولية، بحيث لا تتردّد الجزائر في مرافقة مسار تكريس استقرار أسواق المحروقات في الظرف الراهن وتنمية الطاقات المتجدّدة تحسبا للمستقبل وفقا لقاعدة ثابتة ترتكز على التشاور والشراكة المتوازنة والمنصفة. وتجسد هذا منذ أولى بوادر أزمة انهيار أسعار النفط قبل حوالي ثلاث سنوات حينما خاضت دبلوماسيتها الاقتصادية بنجاح مشهود له طبقا لتوجيهات رئيس الدولة، مسار إعادة الانسجام داخل منظمة البلدان المصدرة للنفط ومدّ جسر التنسيق حول نفس الأهداف مع البلدان المنتجة من خارج «أوبيك».
ويقود التحرّك الذي باشرته السلطات الطاقوية في الآونة الأخيرة إلى تأسيس أرضية صلبة لشراكة متنوعة وحقيقية تتطابق مع المؤشرات الراهنة للسوق النفطية مع تفتح على الآفاق المستقبلية لمصادر الطاقة البديلة للمحروقات التقليدية. ويمكن حينها للجزائر من خلال استغلال كافة مواردها وتوظيفها بعقلانية وتأطيرها بقواعد الحوكمة والترشيد أن تكون على درجة من الجاهزية لكافة الاحتمالات التي قد يفاجئ بها الاقتصاد العالمي المتجه إلى إحداث انتقال طاقوي من شأنه أن يغير الخارطة الطاقوية العالمية الحالية، والتي بدأت ملامحها تتشكل في الأسواق.
ويكفي مراقبة تطورات برامج الغاز الصخري الأمريكي ومشاريع الطاقة الشمسية الضخمة حتى في بلدان تعرف بكونها خزانا عالميا للنفط وبدول أخرى فضلت الطاقة النووية. لذلك، وحتى يمكن اجتياز المنعرج ينبغي أن تنخرط المجموعة الوطنية بكافة شركائها في مسار الانتقال الطاقوي الحقيقي القائم على إستراتيجية دقيقة تحكمها ورقة طريق قابلة للانجاز بإمكانيات وطنية أساسا مع شراكة أجنبية ذات جدوى تحكمها أهداف ملموسة في المديين القصير والمتوسط.