كلمة العدد

مشروعية التعايش

نور الدين لعراجي
28 جانفي 2018

يعتبر المثقف المشروع المعرفي والفكري للشخصية السياسية، إذا إعتبرنا أن هذه الأخيرة أي «الشخصية» ذات الملامح السياسية تساهم في صناعة القرار، وتمتلك أدوات الربط والحل، وتجيد فنون المناورة بكل تفاصيلها، وبإمكانها تمرير أي قرار مهما كان لونه أو نوعه، كما يمكنها أيضا إرضاء عامة الناس سواء بالبرامج المقدمة في إطار حملة ما، أو في مشاريع قوانين، وتمريرها على مستوى الهيئات والمجالس، بحيث لا تصطدم هذه القرارات بالإرادة الشعبية وتكون محل إجماع أثناء المصادقة.
في كل هذه المراحل، وعبر محطاتها المختلفة، تكون إلى جنب السياسي شخصية ثقافية أخرى تمنحه التكامل في أداء الأدوار، وتحقيق غاية التباين الذي تقوم عليه إرادة المجتمعات.
حتى وإن علمنا أنهما على خطي نقيض من التفاهم، وكل واحد منهما يحمل أفكارا مستقلة عن الآخر فإن الجدل الدائر بينهما من شأنه أن لا يثير أزمة بحجم قضايا الاختلاف الدائرة على بعض المستويات اليوم فالتراكم المعرفي للمثقف والخبرة الميدانية للسياسي مثلما يقول غرامشي يجرد النخبة من مواجهة الجمهور ويصبح إلتزامه مجرد موقف وعي، لا أكثر، مرتبط بحادثة، وسرعان ما ينتهي دوره، وهنا يفقد المثقف وظيفته الحقيقية وهي تقديم الرأي الآخر، ونقد الذات. صحيح أن الكثير من المعارك غذت المشهد الثقافي في سبعينيات القرن الماضي، ولكنها كانت بمستوى كبير من الموضوعية والنقد، والتكامل أيضا.
السلطة المعرفية هنا، ليست هي السلطة السياسية التي يعتمد فيها المثقف على إدارة حوار الرأي، وإنما هي وسيلة لتغليب الكفة، ومحاولة صنع قرار سياسي بوجه ثقافي بعيد عن حسابات السلطة السياسية لأن المنطلقات تختلف، وحتما المخرجات، لن تكون إلا كذلك.
عندما يتغيب المثقف عن أداء دوره الاجتماعي والتثقيفي والتوعوي، سيجد الجمهور نفسه أمام السياسي الذي يترك إفرازاته تملأ الفضاء، دون مناقشة، ولا نقد، ما يؤهلها للتغلغل في الأوساط الإجتماعية، ثم تصير من بعد ذلك على شكل تراكمات، من الصعب تسييرها، ولا إزاحتها من الوعي العام.
لأن وظيفة المثقف هي خلق فضاء التنوع والتميز وتوظيفها في دعم السياسي وتقديمه للجمهور على أساس أنه من مخرجات الفضاء المجتمعي وليس على أساس أنه لا يمثل هذا المشروع الطموح الذي هو «التعايش الإنساني» بين القيم المعرفية والسياسية.
سيكون الحوار الوسيلة الأكثر نجاعة في تحقيق هذا التنافس الإيجابي وبفضله لا يمكن للقطيعة أن تستثمر في هذا الخواء، بل إنها ستوثق العلاقة الترابطية بينهما بالقدر الذي يمكن بواسطته تعزيز مشروعيتهما.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19525

العدد 19525

الثلاثاء 23 جويلية 2024
العدد 19524

العدد 19524

الإثنين 22 جويلية 2024
العدد 19523

العدد 19523

الأحد 21 جويلية 2024
العدد 19522

العدد 19522

السبت 20 جويلية 2024