تقتضي تعقيدات أوضاع ناجمة عن أزمة مالية أوتداعيات اقتصادية خارجية كما هو الأمر بالنسبة للجزائر في ظل انهيار مداخيل المحروقات - التي تسجل أسعارها في الأشهر الأخيرة تحسنا نحومعدل متوازن نسبيا لسعر البرميل - البحث عن خيارات لمنافذ ممكنة من اجل توفير موارد مالية جديدة مما يضع الاحتياطي بالعملة الصعبة في منأى عن استعمالات ليست ذات جدوى على الأقل في الظرف الراهن. في هذا الإطار ورد مسار الشراكة بين القطاع العام والخاص، الذي بقدر ما يحمل في المنطلقات المبدئية أهدافا تصبّ في اتجاه تعزيز القدرات الاقتصادية الوطنية، فإنه في الجوهر أثار تساؤلات وتخوفات ينبغي أن تعالج وفقا لمقاربة بناءة وعدم إخراجها عن السياق الاقتصادي بكافة جوانبه الاستثمارية والاجتماعية.
ولعلّ هذا ما ترمي إليه التوجيهات العليا التي صدرت بشأن الموضوع حتى تتبلور التوجهات وتنضج الخيارات بما يضع المسار على السكة السليمة في الميدان، الذي يستوعب اليوم كافة المبادرات والمشاريع التي تندرج في إطار بناء اقتصاد إنتاجي ومتنوع حقيقي يجسد الأهداف الحيوية للنمو.
لذلك كان لزاما انتهاج قاعدة واقعية ومتدرجة، جوهرها عنوانها العريض لا إفراط ولا تفريط، تخضع لمعايير النجاعة والانسجام مع التحولات في كافة القطاعات ومختلف الأسواق بدءا من السوق المحلية التي بالرغم من ترسبات المراحل المتعاقبة نحو بناء اقتصاد سوق اجتماعي يستوعب التطلعات ويتصدى للانشغالات لكافة مكونات المجتمع من مؤسسات ومستثمرين ومواطنين.
حقيقة يتوفر النسيج الاقتصادي على منظومة مؤسسات عمومية لها ثقلها في الساحة من استثمارات وقدرات انجاز وتشغيل، غير أن هناك بالمقابل هشاشة على صعيد التنافسية والإتقان ومعدل الإنتاجية، مما يستدعي في الراهن الحرص على إدراك النقائص التي ترصدها البرامج والتحاليل المدققة للمؤشرات على مستويين الأول داخلي يتعلق بمدى وعي إطارات وعمال المؤسسات العمومية بالتحديات القائمة وضرورة رفعها بالتزام قواعد العمل وفقا للمعيار المعتمد في أي مؤسسة ناجحة، والثاني يرتبط بالمحيط بكل شركائه من بنوك وإدارة وجامعة لمرافقة تطور المؤسسة العمومية تماما كما ترافق المؤسسة الخاصة أو تلك القائمة على قاعدة الشراكة الأجنبية.
غير أن المسؤولية الكبرى تقع في هذا المجال على القائمين على دواليب القطاع العام ليظهروا درجة عالية من الالتزام بالدفاع عن المؤسسة العمومية وذلك من خلال الحرص على الدفاع عن مواردها البشرية والمالية والإنتاجية كما يستلزم حتما وبشكل لا تردد فيه إتقان التفاوض في السوق وحماية أدوات الإنتاج من الضياع وتحفيز الكفاءات المبدعة والخلاقة تعزيزا لارتباط بالمؤسسة ذلك أن ترك الأوضاع بدون ضوابط قد تؤدي إلى حالة تلاشي وتراخي يكلف الكثير.
لا تزال اليوم الفرصة أمام المؤسسة العمومية لتنهض وسط هذا المشهد المتغير بسرعة ليس بفعل تأثيرات السوق الداخلية وإنما تحت وطأة العولمة الاقتصادية وذلك باغتنام الظرف الذي قد لن يتكرر مستقبلا من اجل التموقع جيدا في الساحة كطرف فاعل وليس تابعا لأمر معين أو خاضعا لقدر محتوم. وهنا ينبغي إثارة موقع الإطار الذي يجمع ويمثل المسيرين للقطاع العام على ما يعرف بالاتحاد الوطني للمقاولين العموميين الذي كان له تواجد حقيقي في مرحلة سابقة، على الأقل، ليكون طرفا مقابلا لنظيره الخاص وفسح المجال امام الحكومة لتكون جهة تحكيم ترصد المؤشرات وتسهر على تفادي خروج مسار الشراكة عن السكة المرسومة. ويتفق الجميع على انه لا يمكن أن تكون مؤسسات القطاع العام بمثابة قطيع يساق في ظروف قد يحاول البعض انتهازها للإجهاز على ثروة ترتبط بمسيرة الجزائر منذ فجر استرجاع السيادة الوطنية.