عادت البلدية إلى الصدارة في المشهد الوطني بعد أن قرّر رئيس الجمهورية اعتماد تنظيم جلسات وطنية للبلديات والمنتخبين كل يوم 18 جانفي من كل عام.
كانت البلدية ولا تزال الحجر الأساسي لهرم المرفق العام وبالرغم مما اعتراها في مراحل مختلفة مضت من نقائص واختلالات، فإنها تبقى الحلقة الحيوية في البناء المتجدّد ومن ثمّة عدم تجاهلها أو التقليل من شأنها في انجاز التحول الاقتصادي.
في هذا الإطار يندرج اللقاء الذي جمع وزير الداخلية برؤساء البلديات عبر التراب الوطني قصد إعطاء دفع جديد للديناميكية المطلوبة في وقت يأخذ فيه ملف التوزيع الجغرافي للاستثمار المنتج اتجاها قويا نحو تعمير الجنوب والهضاب العليا وإعادة صياغة دور البلديات على مستوى الشمال.
تتوفر البلديات على موارد متنوعة كثيرة تعرّض جانب منها للضياع أو التبديد بفعل عوامل عديدة. ويكفي التذكير بأدوات الانجاز التي كانت قائمة في فترة سابقة مثل المؤسسات المحلية للإنجاز في البناء والأشغال العمومية ومؤسسات للنقل وورشات خفيفة ومحلات تحوّل الطابع القانوني للعديد منها.
لا ينبغي التوقف عند مستوى التشخيص والتخليل وإنما المرحلة مواتية اليوم لبعث مسار تحويل البلدية إلى عنصر اقتصادي وشريك حقيقي في الاستثمار ضمن برامج ذاتية أو مشتركة وفقا لطبيعة كل استثمار.
ما المانع في أن تبادر بلدية حسب طبيعة موقعها وخصوصيته بإنشاء مؤسسة صغيرة للنقل، أووحدة للإنتاج الفلاحي، أو فضاء سياحي أو وحدة للصناعة التقليدية، مما يساعد على توفير فرص عمل للشباب وخاصة لحاملي الشهادات الجامعية؟. فلا يعقل أن تبقى مجرد إطار يعيش على موارد قانون المالية بينما لديها موارد ثمينة غير مؤهلة أو مهملة.
يوجد مجال واسع حتى تتطور البلدية، من مرفق إداري بحت منغلق على مصالح بيروقراطية أصبحت غير مجدية بفعل اتساع نطاق التكنولوجيات الجديدة للاتصال، إلى متعامل اقتصادي سواء بإطلاق مشاريع ذات جدوى أو بطرح مشاريع لمستثمرين أو المشاركة فيها بمختلف الصيغ.
ويرتكز هذا التوجه على رصيد معتبر حققته البلدية في الجزائر كوحدة قاعدية للدولة الاجتماعية منذ 1967، حينما كان رئيس البلدية والمجلس البلدي الجهة الأولى التي تتعامل مع متطلبات التنمية. وكان أغلب رؤساء البلديات في تلك السنوات وإلى غاية اعتماد التعددية عناصر للبناء والانجاز من خلال التواجد في الميدان وسط عمال هذا المرفق الجواري والالتزام بتجسيد مخططات التنمية.
ويمكن تصور الجهود الجبارة التي بذلت في بناء مرافق عمومية للتربية والصحة والمنشآت القاعدية المحلية مما رسخ العلاقة بينها ولبن المجتمع الذي يتطلع اليوم إلى استعادة الدور الاقتصادي للبلدية باعتبارها مركز القرار المحلي المنفتح على محيطه من حيث الإصغاء للانشغالات والمشاركة في معالجتها.
ومن ثمّة يمكن أن تتحول البلدية في ظلّ رد الاعتبار لصلاحيات التي تسمح بالمبادرة من مجرد مؤسسة بيروقراطية قائمة على ما تدره ميزانية الدولة إلى عنصر اقتصادي منتج للثروة عن طريق آليات استثمارية مباشرة أو بالشراكة أو بمرافقة مستثمرين ومتعاملين يحملون مشاريع إنتاجية تضمن مداخيل جبائية محلية وتنسجم مع معادلة السوق. ———————