كلمة العدد

بداية الطريق الصحيح

سعيد بن عياد
20 جانفي 2018

تأكد مجددا أن الانتقال الطاقوي لم يعد اختيارا بقدر ما هو حتمية في ظلّ أزمة الطاقة العالمية التي تعكسها حالة الأسواق وانهيار أسعار النفط. ولا يعتبر الحديث عن التحوّل الطاقوي باعتماد مسار الطاقات الجديدة والمتجدّدة بكافة أنواعها خاصة الشمسية حديث العهد وإنما كان مرافقا لمختلف المراحل منذ منتصف الثمانينات بتنظيم ملتقيات حول المصادر البديلة للطاقة التقليدية. غير أن عوامل عديدة عطلت المسار في تلك الفترة من بينها أزمة التمويل في ظلّ انهيار مداخيل الدولة بعد سقوط شديد لسعر النفط ودخول البلاد في أتون أزمة متعدّدة الأشكال تطورت إلى جحيم بسبب بروز النشاط الإرهابي المقيت الذي من بين أول ما استهدف المقدرات الاقتصادية والفكرية للمجتمع. وما أن استعادت البلاد توازنها وتكرس الاستقرار واتضحت الرؤية من خلال انجاز أهداف المصالحة الوطنية وإطلاق حركة التنمية المستدامة بضخّ موارد مالية هائلة لتغيير وضعية البلاد ووضعها على السكة الصحيحة، حتى عاد ملف التحوّل الطاقوي مجددا إلى الصدارة. وتأكد مركزه في السنوات الأخيرة إثر عودة شبح انهيار أسعار المحروقات. وتمّ بالفعل تسطير سلسلة من البرامج التي يجري تجسيدها في الميدان تتمثل في إنشاء حقول للطاقة الشمسية ومحطات مندمجة غازية وبخارية يعتبر حجر الأساس لبناء نظام طاقوي جديد مطابق للمعايير وقادر على توفير البديل المطلوب بسعر تنافسي وملائم للبيئة. ويتطلّب هذا التوجه المحوري الاستراتيجي انخراط كافة المتدخلين في مجالات الاستثمار والتنمية في الديناميكية الجديدة لتحقيق الأهداف الاقتصادية والبيئية المسطرة في وقت وجيز، وهو ما يندرج فيه اللقاء المنظم نهاية الأسبوع الأخير من أجل إقحام المتعاملين والمؤسسات في معركة حاسمة تلعب فيها الطاقة الجديدة الدور البارز. وقد شرعت دول عديدة، بما فيها بلدان لها وزنها في المحروقات التقليدية، في شقّ طريق الانتقال الطاقوي برصد الموارد اللازمة وتجنيد الإمكانيات البشرية والعلمية المطلوبة إدراكا لمدى الكلفة التي ترتبت عن أي تأخير إضافي في مواكبة التحولات الطاقوية العالمية التي بدأت في بلدان صناعية عديدة تسعى للتخلص من التبعية لأسواق الطاقة الحالية. وبالفعل تصدر الحديث عن الطاقة النووية والشمسية إلى جانب الغاز الصخري وطاقة الرياح المشهد الطاقوي العالمي ليبادر كل بلد بتسطير الخيار الملائم وهو ما حرصت عليه الجزائر بإطلاق المعالم الكبرى لتوجهات الانتقال الطاقوي من خلال الحسم نهائيا في ملف مصيري يستدعي التعاطي معه تطوير السلوكات وترقية الذهنيات على كافة المستويات من المؤسسة بإعادة ترتيب أولوياتها وتسطير مشاريعها بإيلاء الطاقة أهميتها، إلى المواطن بمساهمته في اقتصاد الاستهلاك حاليا والانفتاح على الطاقة الشمسية مرورا بالإدارة المشرفة على مشاريع التنمية بتقنين عنصر الطاقة البديلة في المشاريع، خاصة بالنسبة للمرافق العامة والمنشآت القاعدية. غير أن الجسر الذي يختصر الوقت ويؤمن هذا الانتقال بالمحتوى الاقتصادي المعتبر وفي المدى القريب ينبغي أن يقوم على قاعدة متينة ترتكز على علاقة تفاعلية في الموضوع بين المتعاملين الاقتصاديين ومراكز البحث العلمي بمشاركة كافة الفاعلين من مستثمرين وهيئات إدارية مكلفة بالتنمية واستقطاب الكفاءات الموجودة في هذا المجال حتى تنطلق البداية الصحيحة. لذلك إن الانتقال الطاقوي ممكن اليوم وليس مجرد طموح، خاصة وأن بلادنا تتوفر على أكبر خزان للطاقة الشمسية ولديها الفضاءات الجغرافية المواتية التي تستوعب أكبر المشاريع، لفائدة السوق المحلية ولم لا تصديرها في المدى المتوسط، ويكفي أن تكون لدى الجميع تلك القناعة الراسخة بحتمية الانتقال بانسجام وبأقل لكلفة وبفعالية.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19634

العدد 19634

الأربعاء 27 نوفمبر 2024
العدد 19633

العدد 19633

الثلاثاء 26 نوفمبر 2024
العدد 19632

العدد 19632

الإثنين 25 نوفمبر 2024
العدد 19631

العدد 19631

الأحد 24 نوفمبر 2024