لا يكون هناك بديل للاستيراد سوى المنتوج المحلي الحاضر في خطاب السلطات العمومية بشكل ملحوظ منذ أن تأثرت مداخيل البلد جراء انهيار أسعار البترول ليعاد صياغة توجّه اقتصادي جديد مبني على تثمين المؤسسة الجزائرية في خلق الثروة وتوفير القيمة المضافة.
هذا المنتوج المحلي لم يكن منسيا أو مهملا، كل ما في الأمر أنه تبلور رويدا رويدا، مع مرور الوقت، خاصة وأنه استفاد كثيرا من الاحتكاك بالتجارب الخارجية، وإعادة التأهيل، بإثراء الرأسمال الثابت والمتغير والتكيّف مع كل التطورات التكنولوجية وكذلك استعمال وسائل الاتصال الحديثة، بحثا عن سوق حيوي قائم على القاعدة الذهبية العرض والطلب.
من جهة أخرى، فإن فرص الاستثمار متاحة بشكل فعلي وواقعي، وهذا بمنح كل التسهيلات والتحفيزات لمودعي الملفات، سواء أكان في العقار أو القروض، ناهيك عن وضع خدمات هائلة من انطلاق أي مشروع، الهاتف، الأنترنت، الطرق، المطارات، الموانئ، الإدارة بواسطة ما يسمى بالشباك الموحّد.
هذا هو «المجال الحيوي» الذي تنشط فيه المؤسسة الجزائرية وما على أصحابها إلا البرهنة على قدرتهم في إحلال محل المواد التي تمّ منعها من الاستيراد وهذا بفضل عبقريتهم في التسيير والتسويق، والتّكفل بالاحتياجات في زمن قياسي يتطلّب السرعة الفائقة والتكيف الفوري مع حركية السوق للتحكم في الندرة.
ومثل هذا العمل الدقيق يجب أن يكون بعيدا عن الإرتجالية والعفوية، لأن الأمر يتعلّق بالمسؤولية الواجب أن نتحمّلها عقب أي قرار في هذا الشأن.
هذا ليس تثبيطا للعزائم أو شيئا من هذا القبيل، بقدر ما هو دعوة صريحة إلى الاعتماد على منطق التخطيط البعيد المدى، الذي يسمح بإدراج الاقتصاد الجزائري ضمن منظومة محصّنة لا تتأثر أبدا بأي إجراء لحمايتها، ولا نعني بذلك إقامة «الستار الحديدي» أو فرض مبدأ «الحمائية» مثل هذه الحالات لم تعد صالحة في سياقنا الراهن بحكم التواصل المالي والتجاري مع الاندماج العالمي المأمول.. زيادة على وضع الاقتصاد الجزائري تحت المجهر من قبل المؤسسات المالية الدولية لتقييمه في كل مرة، خاصة البنك العالمي والأفامي الذي ينزل وفده ضيفا على بلدنا في كل شهر مارس وفقا لاتفاق ثنائي.
نقول هذا الكلام من باب أنه لابد وأن ترتقي كل مؤسسة إلى مستوى التطلعات الراهنة، كونها الجهة الوحيدة المخول لها ضمان المنتوج المحلي.
وسنحاول من خلال هذا الملف إلقاء إطلالة على عينات من المنتوج المحلي عبر مختارات من ولاياتنا، لمعرفة ما مدى استطاعة مؤسساتنا من مرافقة أي قرار للسلطات العمومية يندرج في إطار السعي لتغيير مشهد الأداء الاقتصادي في الجزائر.. من الافراط في الاستيراد، إلى العقلنة في الانتاج، لبناء منظومة مالية وتجارية تواجه أي طارئ، تنبذ التردّد والغموض وتحبّذ الإقدام والشفافية.
لذلك، فإن إعتماد المنتوج المحلي، ليس شعارا يرفع ظرفيا وإنما هو سياسة متّبعة في الظرف الحالي، قصد التكيف مع أي تغيير يذكر خدمة للنسق العام في مسار خارطة طريق المزمع أن تكون المرجعية مستقبلا.