يتجلى في سياق رصد جملة التقارير الإيجابية التي تعكف على تشريح الأداء الاقتصادي والمؤشرات المالية في الجزائر الصادرة مؤخرا، تسجيل مؤشرات الانتعاش التي عكست آفاقا تحمل الكثير من التفاؤل من أجل تجسيد حركية أوسع ونمو أكبر، آخرها ما أعلن عنه البنك العالمي وقبله خبراء «أكسفورد»، حيث جاءت القراءة صريحة إلى حد بعيد، على اعتبار أنها لا تراعي أي جوانب ظرفية ولا اعتبارات سوسيولوجية.
لكن كل هذا التوجه الإيجابي والذي يبعث على الارتياح ويفتح المجال من أجل التطلع للأحسن لا ينبغي أن يدفع إلى التراخي، تماما مثل تحسن أسعار برميل النفط الذي تعدى حدود 69 دولارا للبرميل، حتى لا يدفع هذا التماسك إلى التباطؤ في مواصلة تجسيد خيارات الإنعاش الاقتصادي، والمتمثلة في الاستمرار في التحول الاقتصادي والطاقوي تفاديا لبروز أي مفاجآت، مع مواصلة تعميق الاستثمار وخلق الثروة ودعم الآلة الإنتاجية والرفع من تنافسية المؤسسة، وتسريع خطوات بناء اقتصاد منتج للتحرر من إيرادات الثروة النفطية.
صحيح أن كل التوقعات تصّب في اتجاه تحسن معدلات النمو وتراجع التضخم على مدار سنتين أي في الفترة الممتدة ما بين 2018 و2019، لكن هذا لا يمنع من تحرير المبادرة الاقتصادية، وتقوية أداء المؤسسة وتوسيع انتشار نسيجها والتخطيط الناجع للاستثمارات قصد التواجد في الأسواق الخارجية عبر إستراتجية التموقع الجيد، ومن خلال استحداث مؤسسات تسند لها مهمة تنظيم التصدير لتشجيع المؤسسة من جهة ومن جهة أخرى لحمايتها، لأنه لا يكفي التعويل على كبح الواردات الذي بات يتقلص بشكل نسبي ولكنه غير كاف، بل من الضروري التعويل على الصادرات التي تشجع الإنتاج الوطني على الكثافة والجودة في آن واحد.
بالتمعن في نفس المؤشرات التي أطلقها الخبراء الأجانب، يمكن القول أن الجزائر التي تعيش التحول الاقتصادي العميق في خضم الانفتاح الواسع على الاستثمارات المنتجة الوطنية والأجنبية، القادرة على تحقيق الإنعاش والنمو بنسبة أكبر بفضل القدرات المالية والبشرية والثروات الطبيعية مع وفرة العقار الصناعي الذي يفتح شهية المستثمرين، غير ان كل العوامل الإيجابية المساعدة على إنجاح المعركة التنموية تحتاج إلى التنظيم المحكم والتسيير الجيد والعصري للمشاريع، والابتعاد عن الارتجال، واجتثاث شبح البيروقراطية الإدارية. وهذا حتى يتجسد التحول الاقتصادي الحقيقي في وقته ولا يسجل المزيد من التأخر وتضييع الفرص الثمينة المتاحة في الوقت الحالي.
