يراهن على خيار الشراكة بين المؤسسات العمومية والخاصة لإحداث النقلة المطلوبة على مسار النمو، الأمر الذي يتطلب في ظل تداعيات الصدمة المالية الخارجية التفاف كافة القوى الخلاقة للثروة حول مشاريع إنتاجية تندرج في سياق التوجهات القائمة على بناء اقتصاد إنتاجي ومتنوع كفيل بمواجهة احتياجات الاقتصاد الوطني. ولمواجهة التحديات القائمة لا يوجد من سبيل أمام المؤسسة العمومية سوى تدارك الموقف بالحرص على تنمية الجهود ومضاعفتها من اجل تحسين مؤشرات المردودية وذلك بالرفع من وتيرة الأداء تفاديا تأمينا للديمومة خاصة وان المناخ العام يشجع على المبادرة ويفتح المجال للتعامل مع قواعد السوق.
غير انه حتى يحقق هذا الخيار، الذي لا يعني بأي شكل من الأشكال صيغة لخوصصة أو أداة ترمي إلى غايات غير تلك التي تضمنتها بنود الميثاق الموقع بدار الشعب يوم السبت الماضي، يستوجب السهر على انتقاء الشركاء الجادين من بين المتعاملين الذين لهم صلة مهنية بنشاط هذه المؤسسة أو تلك، والذين لديهم وضعية سليمة وصافية تجاه إدارة الضرائب وصندوق التأمينات الاجتماعية والتسديد المنتظم للقروض البنكية وغيرها من المعايير التي تضع القطار على سكة شراكة رابحة للطرفين. ويمكن لبورصة الجزائر أن تكون فضاء ملائما لانجاز مثل هذه العمليات التي تستجيب للتطلعات الوطنية، بحيث تضمن الحد الأدنى للشفافية وتسمح بتأسيس الأرضية الصلبة التي تستوعب النسيج المؤسساتي للمنظومة الاقتصادية من خلال قيم التكامل والتنسيق والانسجام التي تزيل المعوقات وتفتح الأفق لاقتصاد ناشئ يرتكز على كل التراث الاقتصادي الجزائري بغثّه وسمينه.
وتتوفر فرص كثيرة لتجسيد شراكة في أكثر من مؤسسة صغيرة ومتوسطة تنتظر فقط أن يضخ فيها المتعامل الخاص سيولة من موارده المالية الخاصة مع تشبعه بقناعة راسخة بان الهدف المتوخى يتمثل أساسا في بلوغ الهدف الاستراتيجي للنمو، وبالتالي القيام بدور بناء في النهوض بالمؤسسة وحماية مناصب العمل فيها ورد الاعتبار لها في السوق التي تمنح اليوم أفضلية غير مسبوقة للمؤسسة الجزائرية دون تمييز بينها من خلال الحد من الاستيراد. ولعلّ الحلقة المتينة في هذا المسار الذي يخضع للمتابعة والمراقبة والتدقيق في كافة مراحله هي تلك المتعلقة بعنصر الثقة بين الشركاء الذين يحتاجون إلى الترتيبات القانونية والتنظيمية اللازمة لتجسيد ميثاق الشراكة تفاديا لانحرافات محتملة ما يجعل المسالة تستحق تاطيرا جيدا من شانه أن يفرز بين المتعاملين ليبرز من لديه عقيدة اقتصادية وطنية برؤية إستراتيجية لفائدة الأجيال.
وضمن هذا التوجه تتاح للمتعامل الخاص الوطني المدرك لتحديات العولمة فرصة المشاركة في هذه الصيغة التي تفتح أيضا لمبادرات بين المؤسسات العمومية نفسها أو حتى المختلطة، ذلك أن الخطر الذي يأتي من المنافسة الخارجية خاصة في المدى القصير لن يعفي مؤسسة جزائرية بعينها كونها عامة أو خاصة بقدر ما يعصف بالجميع للاستحواذ على السوق ومصادر القوة فيها. ولذلك قد يشكل تكاتف القوى الاقتصادية الوطنية والتحامها وفقا لقواعد السوق حائطا يصد العولمة الاقتصادية الجارفة أو على الأقل يقلل من نتائجها السلبية المباشرة خاصة ذات الطابع الاجتماعي التي يمكن كبحها من خلال معادلة النجاعة والعدالة.