التّحليل الأسبوعي

الشّراكة الجزائرية الفرنسية من بوّابة الرّقمنة

سعيد بن عياد
02 ديسمبر 2017

يمكن بعث التّعاون في إطار الشّراكة بين المؤسسات الجزائرية والفرنسية على قواعد المصلحة المتبادلة، وتقاسم أعباء المشاريع التي ينبغي أن تدرج في الأفق المتوسط والبعيد المدى.
ينظّم غدا بالجزائر المنتدى الثاني للرّقمنة بمشاركة 6 مؤسسات فرنسية ومتعاملين جزائريين يناقشون ضمن أربع ورشات موضوعاتية مختلف جوانب الرّقمنة كجسر لتنمية المبادلات، وتعزيز العمل المشترك ضمن الإطار المسطر من البلدين تأسيسا لنموذج جديد يقوم على الثقة والاحترام المتبادل.
لقد وجدت العديد من المؤسسات الفرنسية في السوق الجزائرية طوقا للنجاة من ركود كاد أن يدفع بها إلى إفلاس محتوم، لولا أن السوق الاستثمارية الجزائرية وفّرت المناخ الايجابي لإنعاش مشاريع مشتركة تعود بالفائدة على الجانبين.
تتوفّر إمكانات وطاقات هائلة لدى البلدين، تتقدّمها الموارد البشرية والتكنولوجيات التي يمكن أن تؤسّس أرضية لانطلاقة متجدّدة ترتكز على ذهنية عصرية لا مجال فيها لممارسات لطالما عطّلت، من الجانب الفرنسي خاصة في التسعينات، المبادرة المشتركة وعرقلت إرادة انفتاح أبدتها الجزائر ضمن مسار توسيع وتنويع نطاق التعاون الدولي.
أدركت المؤسسات الفرنسية مدى الفرص التي ضاعت قبل أكثر من عشريتين جراء محاولة بعض الأوساط السياسية المحافظة فيها إقحام سوق الاستثمار في الجزائر ضمن حسابات أخرى، يجب أن تعالج في إطارها الخاص، قبل أن تعيد باريس صياغة خيارات واقعية تأكيدا على أنه لا يمكن أن تتجاهل الجزائر باعتبارها مفترق طرق بامتياز نحو أسواق ناشئة مثل إفريقيا، التي فقدت فيها فرنسا الكثير مقارنة بمنافسين أقوياء كالصين وروسيا وأمريكا، والمتوسط وحتى الشرق الأوسط حيث تشتد المنافسة العالمية.
توجد اليوم مشاريع مختلفة تقدّم صورة لشراكة ناجحة تتجاوز بكثير الرؤية الضيقة لأوساط سياسية وإعلامية فرنسية تعاني من هاجس الماضي، وتتضايق من عقدة التاريخ التي يبدو أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يحاول معالجتها، لكنه يواجه مقاومة سلبية من حوله ما يستوجب المرور إلى مستوى أكثر جرأة خلال زيارته للجزائر بتجاوز تلك العقدة لإعطاء نفس جديد لشراكة اقتصادية رابحة للبلدين، وقابلة للديمومة في الزمن.
ويمكن للإعلان عن موقف صريح من جانبه خصوصا إدانة الحقبة الاستعمارية، والاعتذار للشّعب الجزائري عن تداعياتها الاقتصادية والاجتماعية أن يدفع بالمتعاملين الفرنسيين نحو السوق الجزائرية كفضاء للاستثمار طويل المدى، علما أنّ المؤشّرات المحلية والإقليمية مشجّعة وأبرزها المساحة العريضة التي تشغلها التكنولوجيات الجديدة وأدوات الرقمنة، التي تستطيع حمل تطلعات المؤسسات من البلدين نحو أسواق جديدة تشهد تنافسا من أقصى القارات.
هناك مجالات كثيرة تستوعب مسار تكثيف وتنويع الشراكة بين قارتي أوروبا وإفريقيا من خلال جسر التعاون المتبادل بين الجزائر وفرنسا، التي سجّلت شركتها تواجدا متزايدا في العشريتين الأخيرتين في السوق الجزائرية ذات المميزات التنافسية، وحضور عوامل نجاح المشاريع ذات الجدوى خاصة ما يتعلق بالموارد البشرية قليلة الكلفة وذات الكفاءة مقارنة بنظيرتها في فرنسا أو بلدان الاتحاد الأوروبي.
من بين القطاعات التي تتطلهع لهذا التوجه علاوة على الصناعة والخدمات المصرفية، كل ما يخص الفلاحة والسياحة والتكنولوجيات الجديدة، والتي توفر فرصا ثمينة تستجيب لاحتياجات الأسواق في البلدين وفي القارتين خاصة في ظل انعدام الأمن في كثير من المناطق التي تواجه فيها الشركات الفرنسية صعوبات تهدد مستقبلها، ومن ثمّة تضطر للبحث عن أسواق أكثر أمنا وأفضل استقرارا، ولها قابلية للنمو كما هو الحال بالنسبة لبلادنا.
بالرغم من تداعيات الصّدمة المالية الخارجية الناجمة عن انهيار أسعار النفط، التي بدأت تسترجع توازنها خاصة بعد تمديد اتفاق دول منظمة «أوبيك» وكبار المنتجين من خارجها لتخفيض الإنتاج إلى نهاية 2018، حافظت الجزائر على مؤشّرات إيجابية تكرّس التوازنات الكلية وتعمق مسار الإصلاحات الهيكلية بمنهجية ترتكز على وضع المؤسسة الإنتاجية، بكافة أصنافها محلية وأجنبية وبالشراكة، في قلب المعركة الاقتصادية المفتوحة للرأسمال المحلي والأجنبي دون تمييز بين القطاعين العام والخاص، بل هناك إرادة لتأسيس شراكة بينهما ضمن معايير النجاعة والشفافية.
لعل الشرط الوحيد أن تكون لدى المتعامل الأجنبي قناعة بالتعامل مع الساحة الجزائرية كأرضية لانجاز مشاريع إنتاجية تنسجم مع الأهداف الوطنية المسطرة بحيث تصب في القطاعات الحيوية الخلاقة للنمو والمؤهلة للتصدير، وليس كسوق استهلاكية كما كان يعتقد في السابق، علما أنّ قاعدة الشّراكة 51 / 49 لا تشكّل عائقا أمام المستثمرين الجادّين، بدليل وجود برامج استثمارية جزائرية فرنسية تحقّقت على الأرض، وتقدّم نموذجا لنجاح التعاون وفقا لمعايير اقتصادية تتجاوز في العمق الاعتبارات المالية لتشمل التشغيل وإنتاج القيمة المضافة وتوسيع نطاق الاندماج المحلي، كما هو الحال في الصناعة الميكانيكية.  

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19525

العدد 19525

الثلاثاء 23 جويلية 2024
العدد 19524

العدد 19524

الإثنين 22 جويلية 2024
العدد 19523

العدد 19523

الأحد 21 جويلية 2024
العدد 19522

العدد 19522

السبت 20 جويلية 2024