في ظل ما يعرفه العالم اليوم من تطور لوسائل التواصل الاجتماعي والوسائط الالكترونية، التي استولت على الحيز الاكبر من حياتنا الاجتماعية، وأصبحت تهدد الكتاب الورقي فإنه بات من الضروري التفكير في خلق آليات للتحفيز على القراءة وحث الناشئة على الذهاب نحو الفضاءات المكتبية للمطالعة وحمل الكتاب وتصفحه، وجعل من المقروئية وسيلة للترقية الثقافية كسلوك حضاري، يقاوم الجهل، ويرفع من قيمة المعلومات، ويخلق تنافسية بين القراء من مختلف الأجيال.
صحيح ان السياسية الثقافية في الجزائر رسمت خطوطها نحو هدفين أساسين هما، تشجيع المقروئية، وصناعة الكتاب، وبالتالي فان معادلة الكتاب والقارئ، مرتبطة أساسا بالفضاءات والأماكن العمومية التي يجد فيها القارئ ضالته لرسكلة معارفه، والتعرف على أكبر قدر ممكن من المعلومات.
ان تحويل المكتبات العمومية إلى التسيير المحلي تحت وصاية البلديات من شأنه ان يدفع بعجلة القراءة إلى مسارات جيدة، باعتبار المدارس الابتدائية تحت وصاية هذه الأخيرة، ما يجعل الأطفال في بداية عهدهم مع الحياة يكتسبون هذه الممارسة المعرفية، على أرض الواقع، ترافقهم في ذلك أعين المدرسين والمشرفين على المكتبات، أما بتوجيههم نحو نوعية المعارف، أو مساعدتهم على اكتساب فنيات القراءة، وفهم المعاني.
صحيح ان المكتبات العمومية التي سوف يتولى تسييرها رؤساء البلديات في العهدة الجديدة من شأنه ان يخلق حراكا فكريا ومعرفيا عبر مختلف الأجيال، إذا عرفت الجماعات المحلية كيفية تسيير هذا الملف، ومنحه المكانة التي يستحقها بعيدا عن العشوائية والابتذال، اللذين قد يكونا ايضا سببا في نزوح هؤلاء نحو الفضاءات الأخرى، وتغييب القراءة التي هي في الحقيقة الحلقة المهمة في تكوين الناشئة.
هناك خارطة طريق على رؤساء المجالس البلدية المنتخبة حديثا، العمل بها للتحفيز على القراءة وجلب الاصدارات الجديدة، مع منحها حقها ومكانتها المعرفية والفكرية، في تكوين الأجيال، حتى يتسنى لهم تدارك النقص المسجل في المقروئية بالجزائر، وهو في الحقيقة تحدي ورهان قائم، حتى لا تنسلخ الأجيال القادمة وراء ما يهددنا من عولمة وفضاءات رقمية، يكون الكتاب ضحيتها الأول.