تفتيت الوطن العربي

فضيلة دفوس
03 أكتوير 2017

وكأن منطقة الشرق الأوسط المشبّعة بالأزمات، المتخمة بالمحن، بحاجة إلى من يزيد همومها ويلهب نيرانها المشتعلة في أكثر من دولة.
مغامرة مسعود بارزاني ومضيّه بتعنت في تنظيم استفتاء انفصال كردستان عن العراق، هو بالفعل قفزة نحو المجهول، وخطوة قد تكون عواقبها كارثية، «فذبح» العراق بسكين الطائفية والاثنية المسموم سيؤدي لا محالة إلى إغراق المنطقة في أنهار من الدماء، وسيؤجج النزعة الانفصالية لأكراد تركيا وإيران وسوريا ويدفعهم هم أيضا للمطالبة بالاستقلال بدولهم والإصرار عليه، ما يعني نسف الوحدة الترابية لأربع بلدان كاملة، وتغيير حدودها من خلال رسم خريطة شرق أوسطية جديدة، كان الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش حدّد معالمها قبل سنوات.
خطوة بارزاني المدفوعة بحسابات شخصية وسياسية ضيّفة والتي تحرّكها رغبته الجامحة في الزّعامة ودخول التاريخ من بابه الواسع كمؤسس أول دولة كردية، هي بكل تأكيد مقدمة لتنفيذ الجزء الثاني من المؤامرة التي بدأت  فصولها بـ»الربيع الدموي» وتنتهي بتفتيت الدول والإجهاز عليها، مرورا بما ألحقه «داعش» الإرهابي من دمار وتهديم، لنقف على سايكس بيكو ثانية وشرق أوسط جديد، تنمحي منه الدول العربية الوطنية الكبرى، وتحتل مكانها كيانات قومية مستقلة، ولا تبقى في الخريطة الجديدة دولة واحدة موحّدة متماسكة غير دولة الاحتلال الإسرائيلي، تماما كما بقيت في منأى عن فظائع الربيع الدموي، ما يعكس بوضوح أن الكيان الصهيوني هو مهندس استراتيجية تدمير وتفتيت الوطن العربي، والدليل على ذلك أنه الوحيد الذي أبدى تأييده لانفصال كردستان العراق واستقلاله بدولته، وهو للتذكير يدرّب منذ سنوات قوات البشمركة ويمدّها بالسلاح.
بالتأكيد نحن لا نكشف سرا عندما نؤكد بأن إسرائيل تقف وراء تقسيم البلدان العربية، فهي ومنذ اغتصابها أرض فلسطين، جاهرت باستراتيجية تمزيق الوطن العربي ونسف وحدته، وقد أعلنها «بن غوريون» صراحة عندما قال «نحن جزيرة صغيرة في محيط عربي كبير يجب تفتيته».
سكين التقسيم أجهزت إذن على العراق كما نحرت من قبل السودان، والدور سيكون لاحقا على دولة ثالثة ورابعة إلى أن يتمزّق الجسد العربي إلى كيانات صغيرة تائهة في مهبّ رياح الطامعين المتآمرين...
وأمام هذا الكابوس المرعب، يجب على العرب أن يتجاوزوا خلافاتهم وحروبهم العبثية ليبعدوا شبح التكالب الخارجي، ويجهضوا محاولات تفتيت وتمزيق بلدانهم تماما كما تفعل أوروبا التي نراها تقف بالمرصاد وبالقوة لصدّ كل محاولة انفصال.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19525

العدد 19525

الثلاثاء 23 جويلية 2024
العدد 19524

العدد 19524

الإثنين 22 جويلية 2024
العدد 19523

العدد 19523

الأحد 21 جويلية 2024
العدد 19522

العدد 19522

السبت 20 جويلية 2024