مكسب للأجيال

سعيد بن عياد
27 سبتمبر 2017

تمثل المصالحة التي أنجزتها الجزائر بإرادة شعبها مكسبا للمجموعة الوطنية التي قطفت ثمار السلم والسكينة متمثلة في إنجاز أشواط طويلة على مسار التنمية.
لم تكن المهمة سهلة بقدر ما تطلبت الكثير من الجهود المضنية لإرساء ثقافة التسامح بعد عشرية أتت على الأخضر واليابس لولا أن الإرادة الوطنية الصادقة حسمت الموقف بكسر شوكة الإرهاب بعد إزالة الأقنعة التي تقمصها وإبطال مشاريعه الهدامة.
لم يأت مسعى المصالحة من فراغ، إنما ارتكز على واقع مرير رسمته سنوات التخريب والتقتيل وأفق عريض تعلقت به التطلعات بعد أن أدرك الشعب الجزائري أن تجار الأزمة في الداخل والخارج لم يعد لهم من موقع في المشهد وأن الحفاظ على الوطن أمر لا يقبل المقايضة أو التردد.
لم يكن ممكنا إسقاط المشروع الإرهابي المرتبط بقواعد خلفية بالخارج مدته بالمال والترويج ومحاولة جمركته في المنابر الدولية دون الإلقاء بالأمر الحساس والمصيري إلى الشعب الجزائري الذي التقط خيط الانفراج وأمسك بالخيار الاستراتيجي لتجاوز مرحلة شكلت مأزقا يهدد الأجيال. ويكفي مقارنة حصيلة ما قبل وما بعد المصالحة للتأكد من مدى سلامة الخيار المسؤول ونجاعته في ظل ما يعرفه العالم العربي والإسلامي في السنوات الأخيرة من ويلات ناجمة عن انطلاق مشاريع التخريب والتدمير والتهجير، والأمثلة لا تقل.
لقد أوقفت المصالحة النزيف وكفكفت الدموع واندملت بفضلها جراح لا ينبغي وضع سكاكين الفتنة السياسوية عليها مرة أخرى، إنما يجب أن يتحقق إجماع لدى كافة الشركاء والأوساط حول تصنيف ما حصل في بلادنا خلال تلك الفترة في خانة الدروس للأجيال ومن ثمة لا مجال للتلاعب بها من أجل أغراض تطبعها الأنانية أو نزعة لتصفية حسابات.
وانطلاقا من هذه القناعة، يكفي فقط أن يبادر كل واحد بالمقارنة بين المرحلتين لاستخلاص النتائج وإدراك مدى التحول الذي عرفته البلاد وخاصة المناطق التي عانت بشكل لا يمكن تصوره من ممارسات الجماعات الإرهابية وعصاباتها الإجرامية، قبل أن تردعها قوة الدولة مدعومة بالمواطنين الذين انتفضوا في هبة منسجمة لوقف آلة الموت.
ولم يكن بالوسع انتظار ما كانت تطبخه صالونات بأكثر من عاصمة غربية- وأخرى حتى عربية مارست النفاق السياسي- عكفت فيها مخابر ارتبطت بالجماعات الإرهابية لتوظيفها في مشاريع تدمير مقدرات الأمة وتحطيم مكاسب الشعب الجزائري بل محاولتهم اليائسة لجعل المواطن الجزائري بين خيار الاستسلام للأمر الواقع أو الانسحاب من الميدان.
غير أن آمالهم خابت لما قام الشعب الجزائري لمؤازرة الدفاع عن الوطن والحق في العيش الكريم والاستجابة لنداء المصالحة الذي طور خيار الوئام المدني في صيغة محكمة دافع عنها الرئيس بوتفليقة أمام الشعب فأقنعه بالموافقة الصريحة وغير المشروطة.
كان ميثاق السلم والمصالحة بمثابة الجسر الذي عبرت منه الجزائر إلى مرحلة جديدة عادت فيها العديد من العناصر المغرر بها إلى جادة الصواب مدركة مدى عظمة قيمة التسامح التي يحملها الشعب الجزائري، وعادت معه آمال عريضة وتطلعات مشروعة تم إنجاز الكثير منها ولا يزال الكثير ينتظر مضاعفة الجهود على كافة المستويات لتجسيدها.
إن هذا المكسب يتطلب توسيع وتكريس الالتفاف حوله بما في ذلك القوى الحزبية بكل توجهاتها وانتماءاتها، ذلكم أنه بفضل المصالحة الوطنية حقق المجال الحزبي الكثير من المكاسب مثلما هو متضمن في الدستور خاصة بالنسبة للمعارضة التي تحولت إلى شريك كامل الحقوق يقع عليه ما يقع على كل المجموعة الوطنية في كافة الظروف، خاصة تلك التي تمر بها البلاد حاليا وتتطلب وقفة صلبة في خندق الدفاع عن مستقبل الأجيال.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19525

العدد 19525

الثلاثاء 23 جويلية 2024
العدد 19524

العدد 19524

الإثنين 22 جويلية 2024
العدد 19523

العدد 19523

الأحد 21 جويلية 2024
العدد 19522

العدد 19522

السبت 20 جويلية 2024