في ذاكرتي.. محطات للعلامة اسكندر

بقلم / نورالدين لعراجي
19 جويلية 2017

في أول لقاء جمعني مع العلامة الشيخ مختار اسكندر كان في ملتقى أدب الشهادة والشهيد بالعاصمة شهر سبتمبر سنة 1992 احتضنته قاعة ابن خلدون، وكان حينها حمراوي حبيب شوقي وزيرا للثقافة، بعد اطلاعه على برنامج الملتقى، الذي قدمت فيه محاضرات وندوات لخيرة أساتذة الجزائر أمثال المرحوم الدكتور عبد الله ركيبي، أبو القاسم سعد الله، أبو العيد دودو، عبد المالك مرتاض، عبد الله حمادي، والقائمة كبيرة  لمشتلة من خيرة اعلام الجزائر وأدباءها ومفكريها وافق مباشرة على ما تم عرضه على شخصه كأول مسؤول على قطاع الثقافة..
وفي أشغال الملتقى تمحور فاصل مهم لتكريم شيخين من آخر عناقيد الاصلاح وجمعية العلماء المسلمين في الجزائر ومن حماة ثورة الفاتح من نوفمبر، وشعراءها هما الفقيدين زهير الزاهري الذي غادرنا منذ مدة، وفقيدنا اليوم  مختار اسكندر، لكن الاشكال الذي حال دون تبليغ العلامة إسكندر دعوته، خاصة وانه يتواجد في مدينة المدية، ولا توجد وسيلة اتصال في تلك الفترة ماعدا الهاتف الثابت الذي بحوزتنا لبيته كان دائما خارج الخدمة.
ولأن التكريم كان مهما وحضوره كان أكثر من ضروري، فإن آثار التعب والمرض حالتا دون التواصل معه تلك الفترة، ما صعب نوعا ما من مهمتنا، لأننا اعتدنا على حضوره في أي نشاط تقوم به رابطة إبداع الثقافية الوطنية، أو يقوم به إتحاد الكتاب الجزائريين، وكنا نطلق عليه صديق الثقافة وحارسها الأمين.
الأمر اضطرني للتنقل إلى عاصمة التيطري المدية بصفتي رئيسا للملتقى، والبلد يعيش مشهدا صعبا وداميا مشحونا، وقبل وصولي إلى حي المصلى بالمدية، حيث يقطن الفقيد وقعت عملية ارهابية، جعلتني اغير وجهتي نحو دار الثقافة لأترك له الدعوة عند أحد الأعوان وغادرتها مسرعا، في الغد تلقيت اتصالا منه يطمئن فيه على وصولي بخير، مؤكدا في الوقت نفسه على حضوره الملتقى في الموعد المحدد لاستقبال الوفود المشاركة.
أما المحطة الثانية فكانت سنة 1993 في ملتقى الربيع الأدبي بمدينة عنابة، حيث رفض التنقل عبر الطائرة التي تأخرت لساعات  طويلة، مفضلا الذهاب في القطار، ومن الصدف انني كنت في القاطرة الأولى قبل الاقلاع، حملتنا الرحلة معا إلى ضفاف مدينة بونة، وهناك اكتشفت فيه روح العلامة والرحالة والباحث في شؤون اللغة والنحو والشعر وخفايا القصائد التي لم يقلها أصحابها، وبقيت سرا غير متداول في المشهد الشعري والثقافي، وقطعنا الرحلة من العاصمة إلى عنابة، نتحدث عن كل شيء وأقرأ له بعض من خربشاتي، إلى أن أخذتني سِنَةٌ من النوم، ولم ينم الشاب اسكندر رحمه الله رغم تقدمه في السن.
برحيل مختار اسكندر تكون المدية بل الجزائر قاطبة، قد خسرت محاميا ودفاعا قويا عن الكتابة الشبابية، ومشجعا ومناصرا للإبداعات الحديثة كلهاو بل انه في الكثير من المرات، يترك رأيه في تعاليق ومقالات حول نصوص قرأها لأصحابها منشورة أو ملقاة في أماسي يحضرها عبر ربوع الوطن، اسكندر  عندما يتحدث إليك لا تكاد تسمع نبضات صوته إلا لماما، إلى أن تدرك ان بين شفتيه حديثا ما، يجعلك تنتبه بسرعة البرق إليه، علك تختطف منه ما لذ وطاب من الشجون الثقافية والأدبية والدينية والتاريخية وفي شتى العلوم الأخرى.
ترسمت ملامح علاقة طيبة بيني وبينه في تسعينيات القرن الماضي، وفيما بعدها إلى أن غيبه المرض، فحاول منعه من حضور الفعاليات المختلفة، لكنه يقاومه، وسرعان ما يعود إلى زاويته بحي المصلى ناسكا في مكتبته وكتاباته، كغزال جريح يتوارى عن الأعين تاركا خلفه ظله، سكونه، هدوءه، طيبته، شبابه البكر يحاكي الزمان والأمكنة.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19524

العدد 19524

الإثنين 22 جويلية 2024
العدد 19523

العدد 19523

الأحد 21 جويلية 2024
العدد 19522

العدد 19522

السبت 20 جويلية 2024
العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024