يندرج التغيير الذي تم على مستوى الجهاز التنفيذي في إطار مسعى إعطاء نفس ثان جديد لعمل الحكومة في مواصلة مسار التحول الاقتصادي والاجتماعي، في ظل الظرف المالي الصعب دون تراجع عن الأولويات المسطرة في برنامج رئيس الجمهورية، خاصة منها الملفات التنموية الموجهة للنهوض بالمجتمع لينسجم مع التوجهات العميقة للتنمية البشرية من أجل بناء اقتصاد إنتاجي ومتنوع وغير مرتبط عضويا بالمحروقات.
علاوة على أن التركيبة الحكومية التي تتولى مقاليد مواصلة إنجاز البرنامج التنموي الرئاسي تتميز بانسجام من كافة الجوانب ومزج بين الخبرات وقوة الإرادة، فإن الرهان قائم على أصحاب الحقائب الوزارية ذات الطابع الميداني والمرتبطة مباشرة بالحقائق على الأرض لتجسيد مضمون النموذج الجديد للنمو بالمعايير الدقيقة وفي ظل الشفافية والتنافسية النزيهة في السوق الاستثمارية مع تعزيز آليات ترشيد النفقات العمومية وحتى الخاصة إذا ما توفر الوعي لدى القطاع الخاص الوطني بمدى المسؤولية الملقاة عليه في تحمل جانب من عبء الكلفة المالية لضمان عبور منعرج المرحلة المعقدة.
في هذا الإطار، يرتقب أن تعرف قطاعات معنية بإنجاز أهداف النمو الاقتصادي والاجتماعي (إنتاج الثروة وتوفير فرص العمل) دفعا قويا بعيدا عن التصورات النظرية وإبداء حسن النوايا في خطابات لم تعد تقدم القيمة المضافة، والحرص على استرجاع الكلفة الاستثمارية التي خصصتها لها الدولة بدخولها وبسرعة في الأسواق الخارجية.
يتعلق الأمر بدرجة كبيرة بالصناعة التي تحتاج إلى تدقيق في الخيارات وضرورة مطابقة المشاريع التي تستفيد من الدعم العمومي مع الأهداف الإستراتيجية ومن ثمة التزامها بورقة طريق يسطرها مخطط الحكومة بعد عرضه على البرلمان لا مجال فيها لتضييع مزيد من الوقت وضرورة تحمل المسؤولية في معالجة قضايا مرتبطة بالحسم فيها مثل المناطق الصناعية والعقار الصناعي والتمويلات البنكية والشراكة عام - خاص وحماية الكفاءات والدفع بها إلى الصفوف الأولى.
وكذلك الفلاحة التي يقودها الوالي السابق للبليدة وينتظر أن تحقق تقدما في التخلص من عديد النقائص التنظيمية، خاصة ما يتعلق بطمأنة الفلاحين واسترجاع الأوعية التي حولت عن طابعها الأصلي ومكافحة إهمال المستثمرات وإخضاعها لبرامج تنموية وطنية دقيقة وإنهاء الاعتداء على الأراضي الزراعية. ويمكن، لما يعرفه الرجل خاصة وأنه يمللك رؤية عما أصاب “متيجة” من انحرافات تسببت فيها أطراف من القطاع ذاته، أن يتحقق الكثير خاصة بالنزول إلى الميدان وكسر شوكة البيروقراطية وتطهير الفلاحة من الفساد وإطلاق مخطط اتصال واسع وشامل وفقا لخصوصيات كل منطقة لتجنيد كل الموارد والإمكانات وتحويل الفلاحة حقيقة إلى قاطرة اقتصادية معنية بالتصدير إلى الخارج.
نفس التطلعات لقطاع السياحة الذي لم يحقق ما كان منتظرا منه، على الرغم من الموارد التي رصدتها له الدولة وكان هناك “لوبيات” خفية تعرقل كل مسعى أو عجز لدى المكلفين المتعاقبين في الانتقال به إلى مصاف الأسواق الرائجة إقليميا ودوليا. وقد حان الوقت لأن يستفيد هذا القطاع الخدماتي من المناخ الإيجابي الذي يلقي بظلاله على السوق الجزائرية ذات الجاذبية من النواحي الطبيعية والجغرافية والطبيعية وتتطلب فقط توفر تنظيم هيكلي مرن وتنافسي مع تحرير المبادرة بإدخال معيار المناجمنت والتسيير المرن، مع تخليص المؤسسات الفندقية العمومية من تحمل كلفة الطابع العمومي وتفادي الاستثمارات الثقيلة التي تهدر الموارد ولا تتطابق مع التغيرات السياحية السريعة، خاصة جانب الخدمات والإبداع في التسويق بأقل كلفة مع أكثر مردودية ممكنة.
قطاعات أخرى مطالبة بحكم التداعيات الناجمة عن الوضعية المالية الصعبة والمتطلبات التنموية بأن ترفع من وتيرة أدائها كل يوم على مستوى المخططات والاستثمارات وحوكمة التسيير، على غرار الأشغال العمومية والنقل (ترقية المشاريع وإتمامها في الآجال، وتحسين الخدمات وتأمينها وفقا لمتطلبات الاستثمار مع تكريس نظام الضبط ومعايير الجودة)، إلى جانب الصحة والمياه (تأمين التغطية وضمان الوفرة مع اقتصاد النفقات) وبالأخص البيئة (وضعها في صدارة أولويات النموذج الجديد للنمو)، بحيث ينبغي وضعها من حيث التصورات والتوجهات على امتداد التراب الوطني ضمن معادلة التنمية المستدامة التي ترتكز على موارد محلية والعقلانية في استعمالها.
وتحسبا لثقل التحديات والرهانات التي تلقي بظلالها على الساحة، فإن تجاوز المنعرج الراهن الذي يستدعي التركيز وحسن استعمال الإمكانات، أمر في المتناول، إذا ما تمت مضاعفة الجهود في الاتجاهين العمودي والأفقي، بما في ذلك إقحام القطاعين العام والخاص في ديناميكية النمو ضمن إطار من التنافسية النزيهة والتكامل في المجالات الحيوية من أجل بلوغ الهدف المنشود وهو إنجاز نسبة مقبولة من النمو خارج المحرقات وتحقيق استثمارات إنتاجية تصب في ميدان التصدير أساسا، مع توسيع تقليص الاستيراد للعبور إلى ما بعد الصدمة البترولية بتوازن وبأقل التكاليف التي ترهق احتياطي الصرف بالعملة الصعبة.