التحليل الأسبوعي

شراكة عمومية خاصة قوامها الشفافية

سعيد بن عياد
13 ماي 2017

يمثل بناء شراكة وطنية عمومية خاصة، أحد تحديات النموذج الاقتصادي الجديد للنمو، وهو خيار استراتيجي يجسد توجهات المرحلة الراهنة التي تحمل تداعيات الصدمة المالية الخارجية بكل ما تتطلّبه من ايجاد مصادر تمويل جديدة للاقتصاد، وتستدعي في نفس الوقت حشد الموارد المحلية وتجنيد الإمكانيات المتوفرة في الساحة الوطنية لتأمين ديمومة الاستثمار المنتج خارج المحروقات.
ويكتسي هذا النوع من الشراكة أهمية قصوى، حيث تعتبر إجابة ملموسة لمبدأ انتهاء التمييز بين القطاعين العام والخاص مثلما هو مكرس في الدستور، وهي بمثابة جسر عبور إلى مرحلة جديدة على مسار حماية المنظومة الاقتصادية الوطنية في مواجهة التهديدات التي تتمخضّ عن أزمة شحّ الموارد المالية من جهة والطموحات الكبيرة التي يحملها التحول الاقتصادي، وإحداث القطيعة مع التبعية المباشرة والعضوية للمحروقات. لذلك تتطلّب إحاطتها بكافة الضمانات والشروط اللازمة لانجازها ضمن المعايير الاقتصادية التي توفر للشركاء مناخا جذابا بما يمنع في نفس الوقت أي انحراف أو تعطيل للمشاريع.
وحتى يتمّ تفادي تكرار التجربة المثيرة للتساؤل المتعلقة بخوصصة المؤسسات العمومية المحلية في سنوات التسعينات، وهي العملية التي تتطلب إخضاعها للتقييم قصد استخلاص العبر بما يمنع إعادة انتاج ما تمخض عنها من نتائج غير مطابقة لما كان منتظرا، فإن إدراج المزارع النموذجية للقطاع الفلاحي العمومي في مسار الشراكة مع القطاع الخاص الوطني يتطلب اتخاذ كافة الإجراءات القانونية والتنظيمية لتأمين مستقبل العقار الزراعي ووسائل الانتاج وحماية اليد العاملة الاحترافية.
وبالنظر للمصير الغامض التي آلت إليه المؤسسات العمومية المحلية خاصة وسائل الانجاز والعقار، فإن حماية التوجه الجديد على درب الشراكة «عام ـ خاص»، وحتى ينجز ضمن معايير الشفافية، يستوجب إدراج كل العمليات في سوق البورصة، التي تتطلع لعمليات ملموسة تضخ فيها نفسا جديدا وتوسع من نطاقها.
إن فتح رأسمال مؤسسة عمومية، وبالذات في ظرف مالي صعب ليس بالمهمة البسيطة، بل هي مسألة مصيرية ينبغي أن تستوفي كافة الشروط الموضوعية والصارمة لنجاحها، وغلق الباب أمام أكثر من طرف يترصدون الفرصة الثمينة للاجهاز على مؤسسات تعتبر من العناصر الجوهرية للجهاز الاقتصادي الوطني، الأمر الذي يحتّم تأطيرها بجميع الضمانات التي تمنح الأفضلية للمتعاملين الاقتصاديين الخواص المتميزين باحترافية ولديهم قناعة راسخة بأن خيار الشراكة مع القطاع العام يندرج في إطار التحوّل الاقتصادي بالمفهوم الوطني الاستراتيجي الشامل.
وانطلاقا من هذه الحتمية ذات الطابع المصيري، فإن إحداث تحوّل في الذهنية المحلية أمر جوهري قبل إطلاق مشاريع العملية، التي يجب أن تتجسد في ساحة مفتوحة مثل بورصة الجزائر، ذلك أن العمليات التي تتمّ تحت مظلة «إدارة» مهما كانت، تثير تساؤلات وتفجر اتهامات وتتمخض عنها تحفظات، تترب عليها تداعيات سلبية لا مجال لها في هذا الظرف الحساس، الذي يجعل كافة أنظار واهتمامات الرأي العام تتجه لعمليات ضخمة أو صغيرة، علما أن المزارع النموذجية تتوفر على قدرات ووسائل إنتاج وبالأخص تجهيزات مهما كانت معطلة وعقارات ومخازن ومحلات لها قيمة كبيرة في السوق.
لقد أظهرت مبادرات الحكومة مثل التكفل بالعقار الصناعي، بالحرص على استرجاع الأوعية التي لم تتجسد عليها المشاريع المعلنة ووضعها تحت****** تثرف متعاملين أكثر احترافية إرادة حاسمة بأن لا مجال لأي تلاعب أو تحايل من خلال مشاريع مغالطة بكل ما يبدو عليها في الظاهر من جدوى، أن القدرات الاقتصادية الوطنية تصنف في خانة الموارد الحيوية التي لا تقبل التفريط أو تعريضها للضياع، إنما تستوجب حماية ذكية واقحام مسؤولية كبيرة للقائمين على إدارتها وتسييرها ضمن معادلة الشراكة بعيدا عن صفقات أقرب للبزنسة التي تصنف في خانة الفساد. ومهما تكن انعكاسات الأزمة المالية التي تضيّق الخناق على احتياطي الصرف بالعملة الصعبة، فإن التزام منهجية يميزها الهدوء والتبصر هو أفضل مسلك لبناء المعادلة المنشودة للنمو، ضمن مسعى يقوم على قراءة استشرافية وتحكم في المؤشرات وتحليلها بشكل معمق ومسؤول، لا مجال في ذلك لتهاون أو تردد أو مغامرة، ومن ثمّة الحرص على إحداث فرز بين صفوف المتعاملين والمستثمرين ورجال المال والأعمال المهتمين، من خلال رصد أولئك الذين يتوفرون على درجة من الاحترافية وقناعة صادقة بالانخراط في مسعى التحول الاقتصادي الشامل، مرورا بالفلاحة من خلال المزارع والمؤسسات النموذجية، وربما تليها المؤسسات السياحية.
إن أي عملية شراكة غير محسوبة العواقب سوف تقود إلى كلفة أخرى تزيد من تعقيد الوضعية، والأفضل أن يتم اعتماد عمليات ملموسة في ظلّ مناخ هادئ وشفاف يمنح الفرصة للأفضل والأكثر مبادرة لمتعاملي القطاع الخاص الوطني من أصحاب الموارد المالية ومن لديهم رصيد تجربة في الميدان ضمن إطار يقوم على دفتر شروط صارم ودقيق يقطع دابر حسابات البعض من تجار الأزمة ويشجع متعاملين أكثر التزاما من كافة الشركاء بالمساهمة في بناء جدار اقتصادي يتشكل من جميع العناصر الحيوية للاقتصاد الوطني على أساس قاعدة تقاسم الأعباء والمنافع.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19524

العدد 19524

الإثنين 22 جويلية 2024
العدد 19523

العدد 19523

الأحد 21 جويلية 2024
العدد 19522

العدد 19522

السبت 20 جويلية 2024
العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024