تلوح في الأفق القريب ملامح عودة الجالية الجزائرية المقيمة بالخارج ليعود الحديث مجددا عن مكانتها ودورها في التحولات الاقتصادية التي يتجسد بعضها بإرادة نابعة من صميم النموذج الجديد للنمو، وقد يكون بعضها مفروضا، إذا لم تترسخ خارطة الطريق لقطع التبعية المباشرة للمحروقات.
يمثل حماية احتياطي الصرف بالعملة الصعبة الذي يتآكل في ظل تداعيات أزمة التراجع المعتبر لإيرادات المحروقات أحد التحديات الكبرى التي تتطلب التوجه إلى حشد الإمكانيات والموارد المتاحة، ومن بينها تلك التي يمكن للجالية المقيمة بالخارج تقديمها لتعزيز الأمن المالي إلى حين تجاوز الظرف الصعب. لم يتوقف الحديث في الماضي على كافة المستويات عن هذه الشريحة الهامة وضرورة انخراطها في مسار النمو من خلال مختلف المسارات التي تم تسطيرها لجذب الكفاءات الخلاقة للثروة واندماج الرأسمال المتوفر لديها في دواليب الاستثمار المنتج. غير أن هناك جانب لا يزال متأخرا يتمثل في ضعف الادخار وهشاشة المساهمة المالية للمغتربين لأسباب عديدة حان الوقت لمعالجتها وإحاطتها بالتدابير الفعالة من أجل تصحيح المعادلة. ومنطقي أن تبدأ العملية على مستوى المنظومة المصرفية المحلية، التي تقع عليها مسؤولية توسيع انفتاحها على المحيط بما في ذلك المصادر الممكن استقطابها بالمهجر، وذلك عن طريق توسيع نطاق المعاملات بمعايير جذابة ومحفزة والانتشار بشكل فعال، ضمن المساحة التي تشغلها الأسر، ولم لا، إطلاق عمل توعوي وتحسيسي لاستقطابها، مقابل وضع مقاربة ضمن السياسات العمومية تدرج الجالية في البرامج المختلفة التي تخضع لمعايير الشفافية والواقعية. وقد يكون أول العلاج «بتضييق الخناق» على السوق الموازية للعملة مع بروز متقدم للبنوك والمصارف بمعدلات صرف ظرفية تقلّل الفارق بين الرسمي والموازي.
هناك مناطق في مختلف جهات البلاد تستقبل المهاجرين بكثافة، بإمكانها أن تبادر بعمليات تستجيب لانشغالاتهم، مثل طرح استثمارات في السكن يموّله المستفيد بالعملة الصعبة أو إثارة اهتمام متعاملين بمشاريع شراكة ذات جدوى ضمن مؤسسات صغيرة ومتوسطة، تندرج في إطار مسعى الاستثمار المنتج خارج المحروقات وربما اعتماد خبرات لموارد بشرية من الجالية في تسويق المنتوجات الجزائرية في الخارج. إن هذه الشريحة التي تكتنز موارد مختلفة بشرية ذات كفاءة وامكانيات مالية معتبرة ولها تاريخ طويل في الالتزام بالدفاع عن الجزائر، يمكنها أن تكون حلقة متينة في مسار التحول الاقتصادي بحيث تساهم بمختلف الصيغ من استثمار وادخار ناجع وخبرة في كافة المجالات في تنمية القدرات الجزائرية لمواجهة انعكاسات الوضعية الاقتصادية والمالية الصعبة الراهنة.