تبقى الكتابة للطفل من أصعب المهام الإبداعية باعتبارها تكتب لفئة لا تمتلك رصيدا معرفيا وفكريا، مرحلة أقل ما يقال عنها بأنها معقدة وبسيطة في نفس الوقت، لأنها تأخذ منحنى التركيز والتريث والإلمام والحذر، ومراقبة كل كلمة تكتب لهذه الفئة الأكثر خصوبة وبإمكانها توظيف ما تجده أمامها في أشياء تبدو لها حسنة ولكنها تعيق نمطها في التحصيل المعرفي والمعلوماتي .
الكتابة للطفل ليست نفسها الكتابة عن الطفل والفرق بينهما شاسع وبينهما عوالم متداخلة لكنهما لا يلتقيان سوى أن الأولى تأتي لترسيخ فعل القراءة والتكوين المعرفي وتأتي الثانية لتكتب عن هذه المرحلة وصيرورتها، إذ تحتاج الأولى مستوى كبيرا من النضج والإلمام كما سبق وأن ذكرت، ولا تحتاج الثانية إلى تلك الآليات والعوامل،لأنها كتابات تؤرخ لهذه البدايات الجمالية في عالم الطفولة .
بقدر ما تحتاج الكتابة للطفل الكثير من التريث وعدم المجازفة، بقدر ما يهم في كل البدايات تحضير ورقة طريق أمامه وجعلها أولى المفاهيم وعليه إدراكها وحفظها والعمل بها، حماية له من كل المخاطر وتقيه من كل التأثيرات الهدامة وغير السليمة .
الطفل تربة خصبة تختزن كل ما حولها من معلومات وأرقام وشواهد وتعاليم القراءة والكتابة، فهي بحاجة إلى رعاية أكبر وإلمام بهذه التلقينات التي تساهم في تخزين رصيده الفكري والمعرفي، والحرص على صفحته البيضاء مضمونا وشكلا .
في ظل العالم الافتراضي الذي صار لا يفارقه واقعا وحقيقة صار هذا الفضاء المتحرر من عيون الرقابة خطرا على تكوينه وتربيته ورعايته، رعاية سليمة خالية من كل الشوائب المؤثرة على نجاحه ودوره داخل الأسرة وفي الشارع، فبقدر ما يساهم هذا العالم في انفتاحه على الفضاء الآخر بقدر ما نجده يتأثر بتلك الأساليب التي تمتهنها الأفلام الكرتونية أو تلك الألعاب المشجعة على العنف وإراقة الدماء وغيرها.
قليلة هي التجارب التي كتبت للطفل، لم تحظ بالرعاية، كما ينبغي لأي إصدار أن يعتلي مكانته فجاءت محتشمة ذات حيز ضيق لم تعمم، ولم تصل إلى أكبر قدر ممكن من المهتمين والباحثين وبقيت حبيسة الرفوف مختفية متخفية، كأنها ولدت ميتة، وهذا شأن آخر ينبغي النظر فيه ورعايته بأكبر قدر ممكن.
وسيبقى تاريخ الجزائر حاضرا وماضيا اللبنة الأساسية التي يجب الاعتماد عليها في بناء منظومة فكرية لأطفالنا، حتى تبقى ذاكرة الوطن حية لا تزول بزوال الإصدارات أو اختفائها بل تمنحه المناعة من كل أفكار التغريب لذلك يجب أن تتوفر إلى جانبها أرمادة من الروابط النوفمبرية والهوامش التاريخية لبناء جيل مسالم يعي معاني الحرية والاستقلال.