عزيمة صلبة لتخطي الأزمة

سعيد بن عياد
25 فيفري 2017

تواجه الأمم في مسارها التاريخي مواقف ومحطات حاسمة فيها من الصعوبات والتحديات ما يتطلّب حشد الهمم وتجنيد الإمكانيات الذاتية لتجاوز منعرجات مصيرية لضمان حق الأجيال في التنمية. والجزائر من بين البلدان التي تعاني في هذه المرحلة الحاملة من تداعيات انهيار أسعار المحروقات، وأبرزها الصدمة المالية الخارجية التي تفرز مؤشرات على درجة من الخطورة خاصة جراء انكماش احتياطي الصرف وتراجع الإيرادات، مقابل إصرار على مواصلة المجهود الوطني للتنمية.
وتكون السنة الجارية من أصعب السنوات التي تتطلب هبة وطنية من كافة المجتمع بكل مكوناته لإبعاد شبح التقشف القاتل للنمو، وتكريس توجه ترشيد النفقات باعتماد خيارات ناجعة ترتكز على إدراج الطاقات المحلية في الديناميكية الاستثمارية ضمن الرؤية التي يحملها النموذج الاقتصادي الجديد للنمو، الذي تضبط عقاربه في الثلاثية المرتقبة بعنابة بداية الأسبوع القادم.
في هذا السياق، ومن أجل حماية المكاسب والانجازات التي تحققت للأجيال المتعاقبة، أصبح لزاما على المجموعة الوطنية إدراك التحديات المرتبطة مباشرة بالسيادة الوطنية، ومن ثمة الحرص بأعلى درجة من اليقظة والالتزام بالمشاركة القوية في بناء مسار التحول الاقتصادي بجميع جوانبه بما في ذلك التحول الطاقوي بتهيئة المناخ المنسب لإرساء تقنيات الطاقات المتجددة، وإطلاق المبادرة الاستثمارية المطابقة لورقة طريق النمو.
وهنا أكّد الرئيس بوتفليقة في رسالته بمناسبة إحياء ذكرى 24 فبراير المزدوجة لتأسيس الاتحاد العام للعمال الجزائريين سنة 1956 وتأميم المحروقات سنة 1971 على «ضرورة الصمود في وجه الأزمة المالية من خلال بعث مسار بناء اقتصاد إنتاجي متنوع ومتحرر من المحروقات»، واضعا العمال في «طليعة هذه المعركة لتعزيز الخيارات الوطنية الموروثة من الثورة التحريرية المجيدة التي أصبحت في صلب ثوابتنا الوطنية».
وينبغي أن يندرج هذا التحول الاستراتيجي ضمن معادلة توازن بين الفعالية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية لتأمين مواصلة التنمية الاقتصادية والاجتماعية الشاملة التي يوضع المواطن في صميم برامجها بمثابة الرقم الصعب، وعليه لم يكن غريبا أن يحرص رئيس الدولة في رسالته المحدّدة لمعالم المرحلة المقبلة على «ضمان القدرة الشرائية للعمال والتكفل بالطبقة المعوزة من خلال ضبط السوق من المضاربة» من جهة، وضرورة أن يكسب العمال» معركة الإنتاج والإنتاجية والقدرة التنافسية التي تضمن دخول الأسواق الخارجية».
وليست هذه الأزمة التي تعيق مواصلة مسيرة البناء في بلد مثل الجزائر، التي أظهر شعبها في أكثر من امتحان رباطة الجأش والعزيمة الصلبة للخروج من دوامة الأزمة وبلوغ شاطئ الأمان، من خلال العودة إلى قيم وتاريخ السلف من العمال في كل القطاعات، حيث أبلوا البلاء الحسن في العطاء وبذل ضريبة العرق منذ الحسم في التأميمات والتصدي للتهديدات الإرهابية التي ضربت بلادنا في التسعينات مخلفة فاتورة بشرية ومالية ومادية باهظة، كما كانوا بنفس القناعة في طليعة تجسيد خيار المصالحة الوطنية التي كلّلت مسار الوئام المدني لتنهض الجزائر مجددا.
وفي هذا المنعرج لا يوجد من سبيل سوى أن يلتف الجميع حول التوجه الجديد للنمو من خلال الانخراط في الديناميكية الوطنية لإنتاج الثروة وترشيد استعمالها بدءا من المؤسسة الإنتاجية إلى المركبات الضخمة مرورا بالورشات التي تنبض بالحياة في كافة ربوع البلاد، حيث يجب أن تتجسّد الوطنية الاقتصادية على كافة المستويات وبالملموس لضمان ديمومة وتيرة النمو والرفع من معدلاتها بالتدريج، ذلك أنّ للجزائر ما يجب من الإمكانيات والطاقات لدرء خطر الأزمة وتجاوز إفرازاتها. 

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19524

العدد 19524

الإثنين 22 جويلية 2024
العدد 19523

العدد 19523

الأحد 21 جويلية 2024
العدد 19522

العدد 19522

السبت 20 جويلية 2024
العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024