زميل آخر يرحل عنا في زمن تعيش فيه الصحافة الجزائرية مرحلة تحول وظيفي لمواجهة التحديات المختلفة.. هو الصحفي المخضرم بشير حمادي الذي تعرفت إليه في منتصف الثمانينات لما كان بيومية «الشعب» قبل أن يغادرها عقب تكريس التعددية الإعلامية ليخوض مع إخوة آخرين في تجارب إعلامية متمسكا بقيم الحرية والمسؤولية فبقي وفيا لتلك المبادئ الوطنية التي تشكل القاسم المشترك بين مختلف الأجيال وجوهرها أن توضع الجزائر والمصلحة الوطنية في صدارة العمل اليومي للصحفي متحديا الظروف الصعبة وصامدا أمام شتى الممارسات لا ينحني إلا للشهداء والراية الوطنية.
كان أول لقاء بالزميل بشير حمادي بمناسبة إجراء مسابقة الالتحاق بيويمة «الشعب» في سبتمبر 1985 بساحة اودان حيث كان الرجل حينها بهيئته الأنيقة يتنقل بنشاط وحيوية يوزع الأسئلة بابتسامة وصرامة الصحفي المحترف والملتزم ويؤطر مع غيره مجريات الامتحان. وعرفته فيما بعد زميلا وأخا رافق الوافدين الجدد إلى مهنة المتاعب فكان يرشد ويحفز وبقي لسنوات بنفس القناعة التي لم يتوقف في التعبير عنها بقلمه الفياض الذي لم يجف حبره ولا يقبل المساومة إلى أن دخلت البلاد مرحلة التعددية وافترق ذلك الجمع النير ومعه بشير حمادي المتسم بالمواقف الوطنية والمسلح بالمبادئ السامية المستمدة من تاريخ بلادنا وثقافة شعبنا.
كان الزميل صاحب همة لا تفارقه الابتسامة حتى في أصعب المواقف التي يواجهها بالنكت والحوار فلم يتنكر لمن عرفه ولم يتكبر لحظة ليكون ذلك الشهم الاصيل. دافع عن البلاد ونقل للقراء تلك الأفكار بأسلوبه القوي وكتاباته الصارمة مدافعا عن القيم الفاضلة ومترصدا لكل ما هو خطر على المجتمع وساعدته رحابة صدره وتسامحه ليقيم جسور تواصل مع كافة مكونات المحيط باختلاف توجهات المجتمع الفكرية والايديولوجية والثقافية ليكون رجل حوار يغلب عليه سمو مواقفه عن كل ما هوساقط. يغادرنا أخونا بشير حمادي في وقت ما أحوج فيه الإعلام الوطني لتلك الأخلاق المهنية والترفع عن الذاتية والتنكر للأنانية أمام سمو قيمة العطاء السخي للوطن والدفاع عن الكلمة الحرة والمسؤولة لتبقى منارة للأجيال تفتح لها الآفاق في ظل عولمة حالكة بتهديداتها التي تفضحها الأقلام النيرة التي كان بشير حمادي أحد جنودها البسطاء لا يزايد عليهم ولا يبتزون ولا يساومون قناعة منه أن لا بيع ولا شراء لما يتعلق الأمر بمصير الجزائر ومستقبل شعبها. رحم الله الفقيد وأسكنه فسيح جنانه. إنا لله وإنا إليه راجعون.