رغم بعض الإختلالات الأمنية التي رافقته، يمكننا الجزم بأنّ السّلام في مالي ماض إلى بسط نفوذه، وتطبيقات اتفاق السّلم والمصالحة الموقّع في 15 ماي 2015، حقّقت حتى الآن نجاحات بارزة لعلّ أهمّها توقّف الأطراف المصادقة عليه عن الاقتتال والتزامها الواضح ببنوده وعملها الدؤوب على تجاوز كلّ العقبات المطروحة بالتفاهم والحوار بعيدا عن لغة العنف والسلاح.
سنة مضّت على توقيع اتفاق السّلام المالي الذي جاء ثمرة جهود دبلوماسية شاقة بذلتها الجزائر بكلّ اخلاص و نزاهة
و هو السلوك الذي دأبت عليه بلادنا دوما كلّما تعلّق الأمر بمساعدة الجارة الجنوبية على تجاوز صعابها وحلحلة أزماتها السياسية كما الأمنية والاجتماعية.
النجاحات التي نلمسها لتطبيقات هذا الاتفاق في الميدان من خلال إسكات صوت السلاح ومدّ جسور الحوار والمصالحة بين مختلف أبناء مالي، يؤكّد مرّة أخرى نجاح المقاربة الجزائرية التي تقرّ بأنّ التفاهم والخيارات السياسية هي الأسلوب الأمثل لحلّ كلّ المعضلات والقضايا مهما كانت تعقيداتها ومهما تشابكت خيوطها، وهي أيضا طريق الاستقرار لمنطقتنا التي تعيش تحدّيات أمنية صعبة، فعودة الأمن والاستقرار إلى مالي يعيد حتما الهدوء إلى الإقليم ويحصر كل المخاطر والتهديدات التي تتربّص به، خلافا للخيارات العسكرية التي لم تحلّ يوما مشكلة، وإنّما تفاقمها وتلها حروبا مدمّرة.
إنّ مسار السلم والمصالحة في مالي يجري في مناخ يتّسم بالجدية والهدوء رغم بعض العمليات الإرهابية الاستعراضية، كالهجوم على فندق «راديسون بلو» بالعاصمة باماكو في نوفمبر الماضي.
الجزائر التي ترأس لجنة متابعة الاتفاق، عازمة بكلّ جدّ وإخلاص على تمكين الماليين من تنفيذه خاصّة ما تعلّق بالجوانب التنموية، فمعلوم أنّ أكبر مسبّبات أزمة شمال مالي هي الأوضاع الاجتماعية الصعبة التي تعيشها المنطقة وحرمانها من حقّها المشروع في التنمية، وهو الأمر الذي ألقى بكثير من سكان الشمال في حضن الإرهاب وتنظيمات الجريمة المنظّمة وغيرها.
لهذا تعمل الجزائر من خلال قيادتها للجنة المتابعة، على دفع المجتمع الدولي ليفي بالتزاماته المادية قصد تحقيق البرامج التنموية المسطّرة، كما تواصل مرافقتها لمسار السلم المالي من خلال الاجتماعات التشاورية التي تحتضنها في كلّ مرّة والتي تسمح لأبناء مالي بتبادل الرؤى حول ما تمّ تحقيقه من أشواط السلم المنشود.
لقد راهنت الجزائر على الحلّ السلمي في دولة مالي، وهذه الأخيرة وضعت كلّ ثقتها في الجزائر، لكن قطار السّلام الذي انطلق شاقا طريقه نحو الاستقرار والأمن والتنمية، بحاجة إلى قوّة دفع من أبناء مالي أنفسهم المجبورين على وضع خلافاتهم جانبا والجنوح إلى التلاحم والوحدة، ومن الشركاء الدوليين ليوفوا بالتزاماتهم المادية وليواصلوا دعمهم لمحاربة الإرهاب بالمنطقة.
الجزائر حدّدت معالم مسار السلام المالي وعبّدت طريقه، ونجاح التجربة المالية يجب أن يكون درسا يستفاد منه لحلحلة الأزمات التي تعصف بأكثر من دولة عربية.