يمثل عيد النصر ذكرى تحمل دلالات قوية لمدى قدرة الجزائر على رفع التحديات بفضل إرادة صلبة لا تلين في مواجهة أصعب المواقف. وهو بحق المحطة البارزة في مسار التحرر من حقبة استدمارية طويلة أتت على الأخضر واليابس، فيما تصدى لها الإنسان الجزائري معتمدا على إمكانياته.
تعد هذه المحطة التاريخية البارزة في الذاكرة الوطنية منارة للأجيال لتستلهم منه الطاقة والاقتناع بعدم الاستسلام للضغوطات أو الوقوع في فخ الإحباط بفعل حدة الظرف، إنما ينبغي استلهام العبر من تلك الانجازات التي حققها جيش وجبهة التحرير الوطني بقيادة الحكومة المؤقتة للمفاوضات العسيرة التي حاول فيها الطرف الفرنسي المحتل التلاعب بالمصطلحات والقفز على الحقائق.
كانت مفاوضات ايفيان التي حققت النصر في هذا اليوم معركة أخرى مصيرية لا تقل شأنا عن المعارك الحربية التي لم تتوقف في الجبال والمدن وعززتها مظاهرات السكان خاصة الصرخة المدوية التي أطلقها الشعب الجزائري في 11 ديسمبر 1960 فأسقط ادعاءات ومخططات ديغول الذي لم يترك وسيلة جهنمية إلا واستخدمها ضد الجزائريين بما في ذلك محاولة تقسيم الصفوف وبث المغالطات التي تفطن لها الجزائريون، مؤكدين الثقة في الثورة وقيادتها.
بتلك العزيمة والقوة والثقة يمكن انجاز الوثبة الوطنية اليوم في مواجهة تداعيات وضع اقتصادي ومالي مرهون بمصير البلاد ومكاسب السيادة الوطنية التي تضع الشباب كافة أمام امتحان هم جديرون بتجاوزه من خلال الانخراط في الديناميكية التنموية لإنتاج الثروة والتفطن لما يحاك حول بلادنا خاصة الخطر الخارجي الذي يمكن ردعه بتعزيز الجبهة الداخلية عن طريق التزام الحيطة والعودة إلى مآثر السلف المخلص للوطن.
لم يتخلف الجزائريون يوما عن مثل هذا الالتزام الوطني، بل أعطوا في مراحل مختلفة الدرس للمشككين بتأكيد ارتباطهم بتاريخ الحركة الوطنية وتمجيد الشهداء وإنزال المناضلين المخلصين منزلة التقدير اللازم، مما أسقط حسابات الكثيرين، مثلما أسقطت حسابات المحتل الغاشم في 19 مارس 1962 الذي وقّع نهاية أبشع قوة استعمارية وبعث الجزائر لتعانق الحرية مكسرة القيود عن كثير من الشعوب المضطهدة.