علل المجلس الدستوري رأيه في التعديلات التي أحالها عليه رئيس الجمهورية، على أنها لا تتناقض مع المباديء الكبرى لما ورد من توازن في السلطات ومهام المؤسسات وقيم حيوية كالوحدة الوطنية والحقوق والحريات والواجبات.
وهكذا يكون هذا الدستور قد قطع شوطا حاسما من أجل دخوله حيز التطبيق ريثما يعرض على البرلمان لاحقا.. وفي نفس الوقت تحوز الجزائر على وثيقة تاريخية من ناحية تنظيم العلاقات الدستورية لم يكن يحلم بها أحد منذ الاستقلال.
فما جاء من مواد لا تجدها في دساتير ما يسمى بالديمقراطيات التقليدية من التكفل بالمواطن وتخصيص له مساحة واسعة من الحرية والديمقراطية والتعددية في إطار منظم بشكل دقيق وهذا عقب الشروع في سن القوانين العضوية.
هو مكسب لكل الجزائريين وليس للأحزاب فقط فمن الديباجة وإلى غاية المادة ١٨٢، حرص هذا النص على الإلمام والإحاطة بكل المطالب الأساسية للجزائريين من أجل تقوية الدولة الوطنية بكل أبعادها. وفي مقابل تحديد المسؤوليات بالتفصيل وهذا بالتخلص من كل القراءات والاجتهادات ذات الطابع العام.
ونحن اليوم في مرحلة حاسمة من المسيرة الوطنية في الجزائر وهذا بفضل ما جاء من ضمانات دستورية في هذه الوثيقة الأساسية، عمقت العديد من المفاهيم السياسية، وعززتها بإتجاه أن تكون في خدمة الوطن والمواطن، ناهيك عن العديد من المؤسسات الإستشارية التي تأتي في خضم النسق العام في الصلاحيات.
وما يلفت الإنتباه في هذا الشأن أن المجلس الدستوري، أشار إلى آلية مهمة جدا ألا وهي الهيئة اعليا المستقلة لمراقبة الإنتخابات التي زودت بضمانات غير مسبوقة في المادتين ١٧٠ مكرر، و١٧٠ مكرر ٢ والمتعلقتين بمراقبة الانتخابات، نظرا لما ورد فيها من ضبط دقيق لمسار الفعل الانتخابي وفق آليات الشفافية والنزاهة.
ومن الوهلة الأولى تبرز هذه الضمانات بكل تفاصيلها كوضع القائمة الانتخابية تحت تصرف المنتخبين، والأكثر من هذا فإن المؤسس الدستوري رفع من سقف هذا المسعى وهذا باستحداث هيئة ترأسها شخصية وطنية يعينها رئيس الجمهورية بعد استشارة الأحزاب.
ويظهر الحرص على هذه الهيئة من خلال ما أسند لها من مهام واضحة كالسهر على شفافية الانتخابات الرئاسية والتشريعية والمحلية ونزاهتها منذ استدعاء الهيئة الناخبة إلى غاية إعلان النتائج المؤقتة للانتخابات.
ولا يتوقف حضورها عند هذا الحد، بل تشرف على عملية مراجعة الإدارة للقوائم الانتخابية، صياغة التوصيات لتحسين النصوص التشريعية والتنظيمية التي تحكم العمليات الانتخابية تنظيم دورة في التكوين المدني لفائدة التشكيلات السياسية حول مراقبة وصياغة الطعون.
هذه الالتزامات الدستورية كفيلة بضمان عملية انتخابية شفافة ونزيهة كما دأبت على المطالبة به الأحزاب المعنية بهذه المواعيد في حماية أصوات الناخبين والكرة في مرمى هذه التشكيلات قصد إثراء هذه اللجنة كما جاء في المادتين السالفتي الذكر.
ولابد من التأكيد هنا بأن المادة ١٧٠ مكرر أشارت إلى أن هناك «استشارة الأحزاب السياسية» فيما يتعلق بترأس الهيئة شخصية وطنية يعينها رئيس الجمهورية، وهذا في حد ذاته تكامل عملي بين كل الأطراف لدعم هذا الإطار السياسي لأداء دورها بشكل تام.
وأسندت هذه اللجنة أعمال جديرة بالإشارة إليها منها خاصة السهر على شفافية الانتخابات الرئاسية والتشريعية والمحلية ونزاهتها وهذا ضمان من الضمانات التي لا بديل عنها زيادة على نشاطات أخرى.
ولأول مرة تحدث مثل هذه الهيئة في المسار الانتخابي بالجزائر، واسمها دليل قاطع على أن يكون لها ذلك الدور المنوط بها في الميدان من خلال ما منح لها من صفات ثابتة، عليا ومستقلة، أي أن ما تصدره من قرارات يترجم كل هذه الإرادة لانجاح هذه المحطات الانتخابية.
وهكذا تتوج العملية الانتخابية بآلية تؤطر بشكل واسع هذا «الواجب» منذ بدايته إلى غاية اختتامه، وهذا تحت مراقبة دقيقة لهذه اللجنة حفاظا على أصوات الناخبين من كل أي تجاوز محتمل يدعم تركيبتها قضاة، وكفاءات مستقلة من المجتمع المدني.، وهذه هي قوة الهيئة.