ينتظر أن تكشف عملية تقييم مسار خوصصة المؤسسات العمومية خلال عشرية التسعينات، والتي تقوم لجنة مكلفة على مستوى وزارة الصناعة والمناجم بإنجازها وفقا لما أعلنه وزير القطاع عن حصيلة مسار الخوصصة وتقييم التجربة التي التهمت عددا معتبرا من المؤسسات ذات الأملاك الإنتاجية والعقارية الهامة، تتصدرها المؤسسات العمومية المحلية بالأخص. وتعتبر هذه المبادرة إذا ما أخذت مسارها بدون عراقيل ذات طبيعة استراتيجية بالنسبة للمرحلة القادمة بفعل انعكاسات المادة 66 من قانون المالية 2016، التي تتضمن أحكاما تتعلق بفتح رأسمال المال الاجتماعي للمؤسسات العمومية للرأسمال الخاص، شريطة أن تكون تلك المؤسسات على درجة من الاختلال ومعرضة للزوال، ومن ثمة الدخول بها في مرحلة أخرى في برنامج للخوصصة تكون ذات طابع اقتصادي يستجيب لمتطلبات النمو، وهو البرنامج الذي لا يجب أن تتكرر بذلك الأسلوب البيروقراطي الذي جرى في التجربة محل التقييم. وكان مسلسل استنزاف المؤسسات الاقتصادية العمومية قد توقف مع تولي الرئيس بوتقليقة مقاليد الحكم، ليطلق عوضه برنامجا واسعا لإنعاش القطاع الاقتصادي العمومي وبتمويلات هائلة قصد انتشاله من وضعية سلبية تحوله الى لقمة سائغة تترصدها جماعات المصالح، التي تتحين الفرصة للانقظاظ على جهاز انتاجي لم يجد سبيلا للنمو لأسباب متداخلة، ولعل انه وقع بالنسبة لبعض الحالات ضحية من ائتمنتهم الدولة عليه، فيرى أنه بالرغم من الامكانيات التي جنّدتها الدولة من خلال تمويلات مباشرة وبرامج استثمارية انتاجية لضخ نفس في المؤسسات العمومية التي حقق بعضها التحول النوعي والتحقت بمستوى يؤهلها للنمو والديمومة، فإن بعضها لم يحقق الأهداف المسطرة. وتحسّبا لاحتمال أن يتعرض الجهاز الانفتاحي لتوقف، فإنه من المفيد أن يدرج في سياق مسار للشراكة عن طريق إجازة فتح رأس المال الاجتماعي لمتعاملين يوفرون السيولة المالية المباشرة، ولديهم الإضافة اللازمة لتنمية المؤسسة الجزائرية مثل التسيير الحديث (المناجمنت) أو التحكم في الاسواق، على اعتبار ان الغاية تكمن في حماية المؤسسة كتراث وطني.
وأمر طبيعي وهام أن يدرج هذا المسعى المتعلق بفتح رأسمال المؤسسة الاقتصادية العمومية، علما أن تلك التي تكتسي طابعا استراتيجيا وتتصل مباشرة بالأمن الاقتصادي للبلاد توضع ضمن إطار صارم باعتماد دفتر للشروط لا مجال فيه لأي تلاعب أو تأويلات من شأنها أن لا تحمي الملك العام. ويتطلب هذا الاتجاه الاستثنائي وضع ضوابط تؤدي الى التعامل مع شركاء احترافيين، ولديهم جملة من الضمانات كالاسم التجاري والسمعة في السوق، ولديهم ذات نشاط المؤسسة المعنية والتمتع بوضعية السليمة مع الضرائب والضمان الاجتماعي، وكذا التمتع بالقدرة المالية بالعملة الوطنية والعملة الأجنبية، ولعل الشرط الأكثر جدوى القناعة بحماية الجهاز الإنتاجي ومناصب العمل وتنميتها.
وذهب وزير الصناعة إلى درجة متقدمة في مسألة تقييم مسار الخوصصة إلى القول بأنه في حالة التثبت بأن أي مستفيد منها قد أخل بدفتر الشروط سيتعرض لإجراءات بما في ذلك استرجاع المؤسسة المخوصصة، وهي خطوة تعزز ما سطرته الدولة بشأن متابعة واقع المناطق الصناعية بالنسبة للعقار الذي لم يستغل باعتماد آلية استرجاعه بعد استيفاء الإجراءات القانونية لفائدة متعاملين لديهم مشاريع ذات جدوى. وحتى تتكرس المصداقية الاستثمارية ينتظر أن يتم الانتقال إلى تجسيد كل هذه الخيارات لانجاز التحول الحقيقي بدءا بالانتهاء من ممارسات لطالما ألقت بظلالها على المشهد الاقتصادي، الذي لم يعد يحتملها في هذه المرحلة التي تضع كل طرف أمام مسؤولياته بالنظر للخطر الذي تحمله تداعيات الصدمة المالية الخارجية ومتطلبات بناء اقتصاد إنتاجي حقيقي.