عادت مسألة فتح رأسمال المؤسسة الاقتصادية العمومية للقطاع الخاص الوطني لتفتح نقاشا لم يتوقف منذ أن دخلت البلاد مرحلة اقتصاد السوق التي لا تزال في فترة البناء وتخضع لإعادة صياغة مساراتها المتعددة وفقا للخيارات الوطنية الكبرى التي تنطلق من قناعة إرساء اقتصاد سوق اجتماعي يدمج كل الموارد والطاقات في الديناميكية الاستثمارية لإنجاز أهداف التنمية المستدامة ضمن معادلة توزيع عادل للثروات وتكافؤ الفرص وإطلاق المبادرة الإنتاجية بما يضع الاقتصاد الوطني في منأى عن أي صدمات خارجية كما هو الحال في الظرف الراهن نتيجة انهيار سعر برميل النفط وتراجع إيرادات البلاد بالعملة الصعبة.
وقد أورد قانون المالية 2016 أحكاما في هذا الاتجاه مثلما تنص عليه المادة 66 التي جاءت بلغة عامة ألقت ببعض الغموض مما أثار قلقا وانشغالا في الساحة الوطنية قبل أن يتم التوضيح بأنه لا تعني إطلاقا الشركات الوطنية الكبرى ذات الطابع الاستراتيجي والتي لا تزال تتكفل بتمويل وإنجاز المشاريع الاستثمارية ذات الطابع التنموي الشامل وتعتبر بذلك من المكاسب الثمينة للمجموعة الوطنية خاصة وأنها ساهمت وتعد جزءا حيويا من القرار الوطني الاقتصادي المرتبط بالسيادة في جوهرها الاقتصادي والاجتماعي، علما أن تلك الشركات النوعية التي تحتاج في نفس الوقت لإعادة تقويم وتدقيق داخلي من أجل تصويب مسارها في المديين المتوسط والطويل تخضع لقوانين أساسية خاصة تحدد إطارها وآليات تعاملها مع السوق.
غير أن ترك الباب مفتوحا لتشمل العملية كافة المؤسسات الأخرى بدءا بتلك التي تعاني من اختلالات مالية وعجز تمويلي أو ضعف في الإدارة المانجيريالية وتعرف تأخرا عن تدورات الأسواق خاصة في جانب الجودة والتنافسية يستوجب أيضا وضع ورقة طريق واضحة المعالم تؤطر العملية التي تكون بلا شك ذات طابع استثنائي بحيث يمكن حينها تضييق الحق في الدخول للمتعاملين الذين يتوفرون على عنصر القيمة المضافة ولديهم اسم تجاري في السوق وتملك شركاتهم حصيلة مالية وتسييرية وتسويقية ناجحة بالأرقام والمؤشرات وذلك قصد غلق الباب أمام منتهزي الفرص والدخلاء على الاستثمار من المتعاملين بدواليب التمويلات مستفيدين من انتعاش الوتيرة الاقتصادية وجاذبيتها بفضل التحسن العميق لمناخ الاستثمار مقارنة بما هو معمول به في بلدان أخرى مماثلة..
وحتى لا تحدث انزلاقات وتجاوزات كما حصل في تجربة الخوصصة التي تمت في التسعينات فاستنزفت بعض عملياتها المنحرفة المؤسسات العمومية المحلية التي اندثرت وضاع جهازها الإنتاجي وعقاراتها الصناعية ينبغي أن يتم الحرص على ضبط آليات العمل في الميدان من خلال الشروع في رصد حجم وانتشار المتعاملين الجادين من حيث التزامهم بمعايير الجودة وديمومة تموين السوق ودفع الرواتب والتصريح لدى الضمان الاجتماعي وربما الدفع بالعملية إلى ساحة بورصة الجزائر يعطي لمسار فتح رأسمال المؤسسة العمومية التي تمر بظروف صعبة تهددها وترهن مناصب العمل طابعا اقتصاديا يصب في سياق النهوض بالاقتصاد الوطني بكل مكوناته طالما أن التعامل يتم مع المهنيين ممن أثبتوا جدارة في السوق ويواكبون التحولات الجارية للإفلات من أي مأزق كما تلوح به في الأفق تداعيات الصدمة البترولية.