هل يمكن أن يكون للإرهاب أكثر من وجه؟
لا أعتقد، فوجهه واحد ترتسم عليه الجرائم الدّموية التي تقترفها وحوش آدمية دون فرق بين هذا الهدف أو ذاك.
في الواقع سؤالي هذا ليس بريئا، لأنّني وإن كنت متأكّدة بأنّ شكل الإرهاب ووجهه واحد، فإنّني وكثير غيري نقف للأسف الشّديد على تمييز رهيب بين ضحاياه، ما يحزّ في النّفس ويبعث فيها الحرقة، بل وما قد يزيد المتطرّفين تطرّفا ويحوّلهم إلى وقود تلهب نيران الإرهاب أكثر.
الأكيد أنّ قولي هذا ليس تجنّيا على الحقيقة، لأنّه الحقيقة بعينها التي يمكن لأيّ أحد أن يستشفّها من الهجوم الإرهابي الاستعراضي الذي تعرّضت له باريس قبل أيّام.
لقد اهتزّ العالم أجمع لهذا الاعتداء الجبان، تألّم لألم الفرنسيّين، ذرف الدّموع، شعل الشّموع، لوّن معالمه بألوان الرّاية الفرنسية، نكّس الأعلام، ولم يكتف بالمواساة، بل عرض الدّعم والمساعدة والمساندة لمواجهة الدّمويّين، ومن الزّعماء من توجّه إلى الإليزي لتقديم التّعازي للرّئيس هولاند شخصيّا، وحتى مجلس الأمن الذي “يغرس” في العادة رأسه كالنّعام تحت الأرض حتى لا يُبصر الفظائع التي تطال العرب والمسلمين والفلسطينيّين على وجه الخصوص، هبّ واقفا هذه المرّة مستنفرا قواعده، وعقد جلسة صادق من خلالها بالإجماع على قرار لمكافحة الإرهاب، كانت قد تقدّمت به باريس في ذات اليوم، في حين أنّ روسيا سبقتها قبل أيّام إلى تقديم مشروع قرار في هذا الشّأن دون أن يُعيره المجلس الأممي الموقّر أيّ اهتمام.
المفارقة أنّه عشيّة ١٣ نوفمبر ٢٠١٥ الذي تحوّل العالم كلّه إلى فرنسا، حصد تفجير مروّع عشرات القتلى في برج البراجنة بالضّاحية الجنوبية للعاصمة اللّبنانية بيروت، ولا أحد حرّك ساكنا، فلا دموع أريقت على الضّحايا، حتّى وإن كانت دموع تماسيح، ومرّ الحادث المأساوي دون أن يذكره أحد، وكأنّ الألم الذي تحدثه ضربات الإرهاب لا توجع إلاّ الإنسان الغربي، أمّا الفرد العربي أو المسلم وحتّى الإفريقي فهو لا يشعر بها...
المؤكّد أنّنا ندين الإرهاب جملة وتفصيلا، لكنّنا في ذات الوقت نستنكر ونرفض سياسة الكيل بمكيالين التي تطبّق مع الضّحايا وعوائلهم، فكم من عراقي وسوري “تفنّـن” “داعش” الإرهابي في تقتيلهم بأبشع وأشنع الطّرق يوميّا، وكم من دماء أراقها الدّمويّون في بلاد عربيّة وإسلاميّة كثيرة كأفغانستان، باكستان، مصر، تونس، ليبيا، مالي، نيجيريا، اليمن والصّومال...، ولم نشهد تنكيسا لأعلام أو استنفارا في أيّ اتّجاه، وكأنّ هذه الشّعوب من الدّرجة الثّانية والثّالثة وما دونهما.
ندين الإرهاب ونرفض التّمييز بين ضحاياه، لأنّ الجرم واحد والوجع واحد، وعلى الذين يعتقدون بأنّ الإرهاب الذي يصل غيرهم يجب أن لا يصلهم، أن يعيدوا النّظر في موقفهم الأنانيّ هذا، لأنّه يؤجّج الاحساس بالجور والغبن، وقد تكون نتائجه كارثية حيث تدفع البعض للانتقام، ما يقوّي صفوف الدّمويّين ويبقي الحرب على الإرهاب تدور في حلقة مفرغة.