لم يعد هناك من سبيل لتجاوز انعكاسات تقلبات أسواق المحروقات، غير أن الرهان على إنعاش مسار التصدير وجعل السنة المقبلة سنة رفع التحدي بانخراط المؤسسات المنتجة في قلب المعركة التي تتعلق بالأساس بمصير المنظومة الاقتصادية. وبالفعل فإن تراجع أسعار البترول الذي يأخذ في هذا الظرف منحى سلبيا يثير انشغال الجميع ويزيد من درجة الإلحاح على الإسراع بتناول ملف التصدير خارج المحروقات من أجل إيجاد الآليات التي يمكنها أن تنهض بهذا النشاط، وهو ما يُرتقب أن تحققه الجلسات الوطنية المقررة في 12 و13 جانفي القادم. ولا يمكن أن تمر الفرصة دون أن توضع معالم خارطة طريق جديدة وواقعية تنير الطريق أمام المصدرين على قلّتهم وضعف نتائجهم. بلا شك أن أول ما ينبغي الحسم فيه هو ضرورة تحديد - وبدقة - القطاعات التي يمكن أن تنخرط في هذا المجال، ولديها القدرات الإنتاجية كما ونوعا لتحقيق النتائج المالية المطلوبة وبالحجم الاقتصادي والمالي الذي يؤثر مباشرة في معادلة الميزان التجاري. ولعلّ أول قطاع يمكن الاعتماد عليه هو قطاع الفلاحة الذي ينبغي أن يتطور من مختلف جوانبه بإرساء سياسة إنتاج فلاحية موجهة حصريا إلى التصدير نحو الأسواق الأوروبية بالدرجة الأولى، وذلك بواسطة إطلاق مساحات من غير تلك المستغلة حاليا للاستثمار في المنتجات الزراعية والحيوانية الطبيعية وكذا بعض المحاصيل المبكّرة بتمويل وطني أو بالشراكة الأجنبية. والواقع إن مثل هذا التوجه يتطلب تأسيس إستراتيجية وطنية متوسطة وبعيدة المدى لبعث التصدير وضمان ديمومته في ضوء ما تنذر به تقلبات أسواق المحروقات، التي حان الوقت لتوظيفها في إنشاء الاقتصاد البديل لها، لكن وفق تصور واضح ومسؤول يضمن شفافية التمويل ويفرز بين المصدّر الاحترافي والمتعامل الانتهازي. وبلا شك أن التصدير يقوم به من لديه احترافية في التعامل مع الأسواق الخارجية وتحذوه قناعة راسخة، بأن للمؤسسة الاقتصادية، عمومية كانت أو خاصة، الإلتزام بضرورة تحقيق الأهداف الوطنية ومن أبرزها ضمان تمويل خارجي من خلال كسب معركة التجارة الخارجية وتحويلها من واقع استيراد كل شيء إلى تصدير بعض الشيء بالقيمة المالية التي تؤثر في الميزان التجاري. والواقع أن للجزائر - كما يؤكده الخبراء- قدرات في الفلاحة بكل فروعها تؤهلها لأن تحقق المطلوب وتنتزع حصصا معتبرة في الأسواق الخارجية، شريطة أن ينخرط كل الشركاء في هذا المسعى وبذهنية اقتصادية متقدمة ترتقي بمسار التصدير الذي يتعدى مفهومه مجرد بيع حاوية أو نقل حقيبة. ولذلك فإن التصدير بتركيبته الحالية يبقى ضعيفا ولا يمثل رقما يؤثر في المعادلة المالية للميزان التجاري، مما يتطلب الارتقاء إلى مستوى أكثر جرأة وديناميكية، يرتكز على إعادة تنشيط المؤسسة الاقتصادية وتغيير مفهوم المتعامل الاقتصادي ليتحول إلى منتج حقيقي للقيمة المضافة، ويعتقد راسخا أن مصيره يرتبط بمدى تواجده في الأسواق الخارجية خاصة لما بعد سنة 2020.
المصدّر الاحترافي والمتعامل الانتهازي . .
سعيد بن عياد
17
أكتوير
2014