واضح جدّا أنّ فرنسا لا تريد أحدا أن يحلّ مكانها في مالي، فهي تعتبر هذه الدولة التي كانت ذات مرة من مستعمراتها، حديقتها الخلفية التي لا يمكنها التنازل عنها وعما تكتنزه من خيرات تحت أيّ ظرف.
من هذا المنطلق، وفي هذا السياق، يمكن أن ندرج اتّهامات باريس لباماكو بالتعاقد مع مجموعة «فاغنر» الأمنية الخاصة، ففرنسا التي باتت تواجه رفضا شعبيا ورسميا متناميا في مالي وحتى في باقي دول الساحل، تعتقد بأنّ البساط يسحب من تحت أقدامها، وبأنّ ثمّة من يستعدّ لسدّ الفراغ العسكري الذي ستتركه بعد استكمال انسحابها، وقد حكمت بأنّ «فاغنر» هي التي ستخلفها، لهذا قامت بتعبئة حلفائها وحشدهم، وشنّت حملة مسعورة على السلطات المالية تتّهمها فيها بإبرام اتفاق مع هذه المجموعة لكي ترسل مرتزقتها بهدف تدريب الجنود وحماية المسؤولين الكبار.
ولم تكتف فرنسا بهذا، بل وجّهت أصابع الاتهام مباشرة لروسيا على أساس أن «فاغنر» هي صناعة روسية بالرغم من أن الرئيس فلاديمير بوتين أكّد مرارا أن هذه المجموعة الأمنية لها مصالحها الخاصة ولا تعكس مصالح روسيا.
حكومة مالي لم تلتزم الصّمت وردّت على الحملة الفرنسية بنفيها أي انتشار لمرتزقة من مجموعة «فاغنر»، وقالت «إنّها تقدّم نفيا رسميا بشأن انتشار مزعوم لعناصر من شركة أمنية خاصة في مالي».
وأضافت أنّها «تطالب بأن تقدم لها أدلة من مصادر مستقلة»، مؤكّدة «حرصها على التوضيح بأن مدربين روس، مثل بعثة التدريب الأوروبية، موجودون في مالي في إطار تعزيز القدرات العملياتية للقوات الوطنية للدفاع والأمن».
وتابعت أن باماكو تطالب «بالحكم عليها من أفعالها وليس استنادا إلى شائعات، وتود التذكير بأن الدولة المالية ملتزمة بشراكة بين دولتين مع الاتحاد الروسي، شريكها التاريخي».
يبدو جليا من خلال سلوكها وتصرّفاتها، أن فرنسا لا تريد قطع الحبل السرّي الذي يربطها بمالي، بل على العكس تماما، فهي تصرّ على أن تبقى اللاعب الوحيد في هذه الدولة وفي عموم الساحل الإفريقي، وحملتها ضدّ «فاغنر» تستهدف بالأساس روسيا التي أصبحت الهتافات تتعالى باسمها في مختلف المظاهرات المناوئة لفرنسا بمالي، لكن غاب عن باريس أن الزمن لم يعد زمنها، وبأن الشعب المالي كما شعوب منطقة غرب إفريقيا ، اقتنعوا بأنّ فرنسا لا يمكنها أن تقدّم لهم شيئا،و بأن الوقت قد حان ليتخلّصوا من هيمنتها، ويبحثوا عن شركاء ليس لهم تاريخ استعماري في القارة السمراء، وقد يرجع تطلّع الماليين للتعاون مع روسيا إلى تعهد الرئيس بوتين خلال القمة الروسية الافريقية المنعقدة في سوتشي عام 2019، حيث قال أن روسيا «لن تشارك في إعادة تقسيم جديدة لثروة القارة؛ لكنها تنافس على التعاون مع إفريقيا».
في الأخير يبقى السؤال الملحّ، ما شأن فرنسا إن تعاقدت مالي مع هذه الجهة أو الأخرى؟