مع بداية فصل الخريف الجاري، بدأت أوروبا تقترب من أزمة طاقة جدية، وتداعيتها المجهولة والمقلقة مرشّحة لأن تمتد إلى أوسع نطاق بل وقد تصل إلى عقر دار أمريكا، بسبب تضرر سلاسل التوريد، ولعل أكبر عامل أنضب التدفق، الزيادة الكبيرة في الطلب من طرف آسيا وأوروبا نتيجة تعافي النشاط الاقتصادي وارتفاع الطلب على الكهرباء، وتزامن كل ذلك مع ارتفاع تصاعدي مذهل لأسعار الغاز التي نمت بشكل غير معهود، فبلغت زيادتها 250 بالمائة في فترة وجيزة، ناهيك عن تجاوز النفط في قفزة مفاجئة لم تكن منتظرة بسبب تهديدات متحورات الفيروس إلى ما فوق 80 دولارا للبرميل.
يرتقب مع إدارة الظهر للفيروس بتحصينات مخططات التلقيح التي حدّت من خطر الانتشار، أن يكون السباق اقتصاديا لاستعادة القبضة على الأسواق، وإشعال منافسة ستكون محتدمة بين المصنّعين ومخابر الابتكار، وقبل ذلك اشتعلت عبر الأسواق بشكل مبكر، وقبل حلول فصل الشتاء حرب مزايدة حقيقية على شحنات الغاز الطبيعي الأمريكي المسال بين المشترين الآسيويين والأوروبيّين، فأثارت هذه الزيادات في كميات التصدير العديد من المخاوف، فجنح البعض إلى اقتراح إرغام منتجي الغاز بخفض الصّادرات لتلبية الطلب المحلي الأمريكي..فهل فعلا ستمهّد أسعار الطّاقة المرتفعة لأزمة قريبة بواشنطن؟
«أوبك» أكبر المعنيّين بأسواق الطاقة، ولعل اجتماعها المقبل المقرر يوم 4 أكتوبر الداخل لن يكون عاديا، على خلفية أنّه توجد أصوات عديدة من داخل بيت هذه المنظمة، ترافع بإصرار لزيادة الإمدادات النفطية، وسط ضغط من المستهلكين الذين ارتفعت شهيتهم بسقوط تدريجي لقيود الوباء، ما يجعل متانة الأسعار في مأمن وسط أزمة طاقة عالمية تزيد بالفعل بسبب قوة الطلب العالمي على النفط الخام، وما يقابله من انخفاض في المخزونات النفطية في كل من الولايات المتحدة والصين، علما أنّ الارتفاع الجدي والمقلق للمستهلكين في أسعار الغاز الطبيعي، قد يدفع بعض المستهلكين إلى تبني نهج التحول نحو استبدال الغاز بثروة النفط، لكن في ظل استعادة أسعار النّفط لسقف لا يقل عن 80 دولارا، وقد يقفز إلى ما فوق 90 دولارا قبل نهاية العام سيضع الجميع في مأزق.
لا شيء يلوح في الأفق يطمئن بأنّ الأسعار ستكون على الأقل في مستوى ما قبل الجائحة، والمستفيد الكبير، المنتجون للغاز والنّفط في صدارتهم «أوبك» وشركائها، فهل ستستعيد الأسواق بريقها مجدّدا وتشتعل الأسعار مع حلول الشتاء المقبل إلى مستويات قياسية لا تقل عن 100 دولار للبرميل؟