قبل سنين وفي سبيل القضاء على التجارة الفوضوية، أنجزت السلطات ما سمي بـ»الأسواق الجوارية» كثير منها في مناطق نائية، وبعد أشهر قليلة من انقشاع «غبار الحملة» بقيت كثير من تلك الأسواق مهجورة وبعضها تعرّض للتخريب واستأنف التجّار الفوضويون نشاطهم في أماكنهم المعتادة.
وبدا أن مصير كثير من الأسواق لا يختلف عن مصير «محلّات الرئيس» التي بقي كثير منها مهجورا، وهي التي أنجزت بقرار سياسي حيث «استفادت» كل بلدية من بلديات الوطن من مائة محلّ، ولم تستغل إلا تلك المحلات التي شيّدت في أماكن آهلة بالسكان وتشتهر بالتجارة.
لقد تحوّلت تلك الأسواق والمحلّات إلى مشكلة حقيقية للسلطات المحلية، عندما خٌرّب كثير منها وبعضها أصبح مأوى للمتشرّدين وأصبح الاقتراب منها خطرا.
وبعد سنين طويلة من تلك الحلول الجاهزة، نعود لمواجهة المشكلة من جديد، عندما أكدّ مسؤول بوزارة التجارة أن 51 محلا مما يعرف بـ «محلات الرئيس» و632 سوق جواري ليست مستغلة لحد الآن رغم انتهاء الأشغال بها منذ سنين عديدة.
إنها المشكلة التي تعيدنا سنين طويلة إلى الوراء عندما كانت «أسواق الفلاح» في جزائر الثمانيات تعرض سلعا للبيع في غير مكانها، كأن يقترح أدوات الصيد البحري في منطقة نائية بالهضاب العليا أو الصحراء.
لقد بقيت تلك السلع مكدسّة أشهرا طويلة قبل أن تأتي الأزمة الاقتصادية منتصف الثمانيات وأصبح الجزائريون يعيشون يومياتهم مع الطوابير في سبيل الحصول على السميد والقهوة وبعض المواد الأساسية، وفي ذلك السياق أصبح طالب السميد في مدينة أو قرية صحراوية مثلا مجبرا على اقتناء «صنّارة» الصيد البحري.
ولئن كانت القرارات السياسية ضرورية في ضبط التوجهات الاقتصادية الكبرى، فإن الحلول السهلة المبنية على تصريحات سياسية عابرة لا تنتج حلولا بقدّر ما تعقّد المشكلات أكثر فأكثر.