إن الرقم الذي كشف عنه وزير الداخلية حول ملايير الدينارات التي يستهلكها الورق المخصّص لوثائق مصالح الحالة المدنية يؤكد أنّ التوجه نحو الرقمنة صراع مع الزمن لوقف هذا النزيف فورا، وذلك يحتاج تسريع الخطى ووضع جدول زمني محدّد بأهداف واضحة.
تعتبر الأرضية الرقمية الخاصة باستخراج بعض وثائق الحالة المدنية، التي نتمنى أن تجنّب المواطن عناء التنقل إلى هذه المصالح وتُنهي صراعه اليومي مع سلوكات بيروقراطية بائدة، خطوة أولى في مسار طويل للوصول إلى صفر ورق. ماذا لو يتم توجيه هذه المبالغ الطائلة، التي تصرف على الورق، الطابعات والحبر، إلى مشاريع تنفع المواطن في يومياته وتسدّ متطلبات التنمية المحلية عوض صرفها على أكوام من ورق يستورد بالعملة الصعبة لينتهي به المطاف إلى المفرغات العمومية؟
الرقمنة كلها خير لأنها لن تمكننا من اقتصاد الأموال فقط، ولكنها ستكرّس الشفافية وتحسّن الخدمة وتقضي على البيروقراطية والفساد المستشريان في مفاصل الإدارات، فمعها ستتراجع بكل تأكيد احتمالات التزوير والتلاعب، وحينها لن نصل إلى صفر ورق فقط ولكن إلى صفر تزوير، صفر رشوة ...الخ .
كل هذه المزايا التي تحملها الرقمنة لا يمكنها أن ترى النور ولا أن نصل إلى ما سبق ذكره دون تدفق عال للانترنيت، لأن الرقمنة والحكومة الالكترونية لا يمكن بلوغها بهذا التدفق الضعيف للانترنيت وبعقليات بالية مازالت تطالبك بنسخة ورقية عن بطاقة التعريف الوطنية البيومترية صرفت عليها الدولة الملايير من أجل العودة إلى الورق؟!
الرقمنة ليست مجرد اقتناء أجهزة الكترونية أو استصدار بطاقات ذكية، لكنها معركة مستمرة لتغيير ذهنيات مازالت تعتقد أن «الثقة في الوثيقة» فقط. ثم كيف للمواطن أن يثق في الرقمنة وفضائلها والبعض مازال يطالبه بنسخة ورقية عن بطاقته البيومترية. فهل من المعقول أن نطالبه بالإيمان بالرقمنة بينما لا تعتدُ بها بعض الإدارات التي تصدرها؟ لهذا السبب يجب رقمنة الذهنيات!