عنونت قناة «أم 6» الفرنسية وثائقيا أجرته على الجزائر بـ»جزائر بلد كل الثورات»، في محاولة منها لاستقطاب المشاهد بعنوان مثير، لكن المفاجأة كانت عظيمة بعد بث «التحقيق» الذي لم نجد أثرا لعنوانه في محتوى، أقلُ ما يُقال عنه، أنه فارغ وبعيدٌ عن الاحترافية، حسب تصريحات المستجوبين أنفسهم، الذين صوّرت معهم القناة، وأكّدوا أن أقوالهم أخرجت عن سياقها وتم بتر مشاهد عديدة لا تخدم توجه القناة.
حقيقة شدّني العنوان، وظننت -في لحظة سذاجة- أنه اعتراف لقناة فرنسية بثورات الجزائر، التي خاضتها على مر العصور، أو نوع من الاعتذار الضمني عن جرائم اقتُرفت في حق شعب أعزل، ذنبه الوحيد أنه اختار الاستشهاد حرّا على العيش تحت الاضطهاد والاسترقاق.
نعم أصبتم في عنوانكم، فالجزائر كانت ولا زالت وستظل مقاومة، ثائرة، متمردة، وعصيّة على كل من يحاول المساس بسيادتها.
نعم، فجزائر الملوك البربر، والكاهنة، والأمير عبد القادر، والعربي ببن مهيدي وغيرهم من الأبطال البواسل، هي من قاومت الرومان والبيزنطيين والإغريق....وحتى الاحتلال الفرنسي.
وكان حريٌ، بهكذا ريبورتاج، أن يسرد مقاومة شعب أبيّ، مُورست عليه أبشع صور القمع، من تفجيرات نووية، لازال سكان الصحراء يعانون، لحد الساعة، من أورام خبيثة تنخر أجسادهم، في تجلّ صارخ لمخلفات عدوان فاجر، بعيد عن كل معان الإنسانية.
ليتكم تطرقتم لمجازر 08 ماي، أو لمعركة الجزائر، أو لرمي الشباب والكهول في نهر «السين» ذات 17 أكتوبر 1961، والذي وصفه الرئيس الفرنسي السابق هولاند بـ»مأساة وقمع دموي». وماذا لو تم عرض اعترافات أوساريس التي أدلى بها في كتابه «أجهزة خاصة»، حول طرق التعذيب، التي كان الجنود الفرنسيين يتلذذون بممارستها على المعتقلين.
لكن عوض تصريحات وشهادات حيّة لجرائم بشعة اقتُرفت في حق الجزائريين في ظل استعمار غاشم، ليس بهدف تأجيج مشاعر الحقد والضغينة، لكن «حتى لا ننسى»، بثّ الريبورتاج شهادات لشباب وشابات يسردون يومياتهم وانشغالاتهم بحُلوها ومُرّها، معبّرين عن رغبتهم في العيش في جزائر أفضل.
هي أحلام مشروعة وممكنة المنال في جزائر نريدها جديدة بقوة مؤسساتها، بعدالتها الاجتماعية، وتكافؤ الفرص لجميع شرائحها، خاصة الشباب منهم بصفتهم القوة الناشئة للمجتمعات.
وفرنسا بتاريخها الاستعماري المخزي، لن تكون أبدا، أكثر حرصا على شباب جزائر لم تفرّط في جماجم ورفاة مقاوميها.