يقع المشهد الأدبي في فخ ما يعرف بالسرقات الأدبية والشعرية خصوصا، يصنفها البعض في خانة التناص، فيما يضعها الآخرون في زاوية التلاص، وشتان بينهما في التجاوز والمجاز والمفهوم، لذلك تطفوا مثل هذه المعارك الأدبية في الفضاءات الثقافية، يتعالى لغوها، وتسخن لها طبول الحرب، ويقف الفريقان على طرفي النقيض، هذا يدافع عن مشروعيته في النص وذاك يرافع عن أحقيته في الإبداع والتخاطر.
الظاهرة لم تكن وليدة اليوم، إنما لها امتدادات تجاوزت العصور السابقة، ولعلها في العصر الجاهلي لم تكن متفشية، لأن الشعر لم يحظ بالكتابة، بل تتناقله الروايات والألسن فيحفظ عن ظهر قلب، ويخصص لذلك أشخاص أصحاب بديهة، يحفظون القصائد التي تجاوز سقف أبياتها المائة فما فوق، يتلقفونها من شفاه أصاحبها، لا ينقص من شعرية لغتها همزة ولا كسرة .
وبالعودة إلى تراثنا القديم، لم يرد مصطلح « سرقة « على قول الفرزدق استدلالا «خير السرقة ما لم تقطع فيه يد»، ولم يشر إلى صاحب الفعل باللص، فظهرت عدة معاني وكلمات لم يرد أصحابها تبرير الفعل بقدر ما قدموا، توضيحا في ذات الشأن، واجمعوا على تسمية بكلمات « الأخذ «، الاستمداد، الاستعانة، وغيرها وهوما استدل به الجرجاني في تبريراته .
بانتقال القصيدة من الرواية الشفوية إلى التدوين صار الأمر أكثر وضوحا، وزالت الضبابية، لان النص ينسب لصاحبه كتابة لا قولا، وهنا بدأت ملامح الظاهرة تتضح وتنسب النصوص إلى أصحابها مع بداية العصر العباسي، ولنا في بعض هذه المعارك الكثير من الاكتشافات في عهد البحتري وأبي تمام، وغيرهما .
التجارب الشعرية السابقة خاصة عند المحدثين، صادفتنا الكثير من أشكال التناص، خاصة بعد مرحلة «ما بعد البنيوية «،حيث أثبتت استحالة وجود نص نقي، وهذا ما يفسر ان كل نص فيه صدى لنص آخر وهكذا دواليك، ومن غير المعقول أن نقرأ أي قصيدة دون سياقاتها التاريخية والأدبية، هناك حتما روح خفية تراوح المكان، لا يمكن الجزم بتقديم تعريف محدد لها.
يعرف الإبداع على أساس انه الخلق والتجاوز والتوالد، والمبدع مهما بلغ شأنه وعظمت مكانته، فهويقوم بإعادة نص سابق، بقيت خيالات روحه تحوم حول الذات الكاتبة، لان في باطن النص الجديد نص سابق، مفتوح على كل الجبهات والتجارب وهذه سمة الأدب
وبالعودة إلى العهد الأزرق، واختزال العالم في قرية صغيرة، صار من يكتب بعض الخواطر شاعرا، سواء كانت نصوصه موزونة أم مصابة بكسور البيت، لا يهمهم أن كانت معتوهة،مصابة بالجائحة فهي في نظرهم قصيدة، ولنا في الفضاء الأزرق الكثير من هذه المسميات، التي لا تعرف لشيطان الشعر سبيلا، والأخطر من ذلك أنها تسرق نصوص غيرها حرفيا وتنسبها لنفسها تدوينا ونشرا، وهذا هوالتلاص بعينه.