والعالم مشغول بمحاربة جائحة كورونا و تداعياتها الاقتصادية والاجتماعية الخطيرة، هناك من يستغلّ الوضع لتصعيد الأزمة في ليبيا وتحويلها الى حرب أهلية حقيقية، لتتجلى من بعيد ملامح المعضلة السورية التي نراها تتكرّر في ليبيا، فالمقدّمات و التطوّرات الميدانية هي ذاتها، و حتى الفواعل الخارجية التي تلهب النّار هناك و تؤلّب أبناء الشعب الواحد بعضه على بعض، هي ذات الفواعل التي جرّت ذرّة الشام قبل نحو عقد من الزمن الى الإحتراب الداخلي و صنعت منها واحدة من أقذر وأفظع المآسي الإنسانية التي مازالت فصولها مرسومة على وجوه مئات النازحين و اللاجئين المشرّدين عبر ربوع العالم، و محفورة في كيان دولة كادت الأطماع و الأحقاد الخارجية أن تمحيها من الخارطة لولا لطف الله و إرادة الكثير من السوريين الذين وقفوا في وجه المؤامرة و دافعوا عن بلادهم التي نراها اليوم تعود من بعيد بجراح غائرة ، لكن موحّدة و بإرادة قويّة على التداوي والنهوض من جديد.
للأسف الشهيد، المشهد ذاته نراه يتكرّر في الجارة الشرقية التي دخل الصراع فيها أخطر مرحلة بعد أن نقلت الجهات الداعمة لطرفي الأزمة هناك عتادها العسكري و المرتزقة الذين دمّرت بهم سوريا الى أرض المعركة ، و لم تعد هذه الجهات الخارجية تخفي وجهها أو تقود القتال من وراء السّتار ، بل على العكس تماما إذ أنّها كشفت عن وهويتها الحقيقية وعن الطرف الذي تدعمه والذي جعلت منه معولها لتخريب ليبيا وتحقيق أهدافها الخاصة المتمثلة أساسا في نهب ثروات هذه الدولة التي أصبحت في قلب صراع دولي من أجل النفوذ.
ومن المفارقات العجيبة أن الجميع يرافع للحلّ السياسي و يدعو للعودة الى طاولة المفاوضات من أجل تسوية الازمة الليبية، لكن في الميدان نرى الخيار العسكري هو المفروض، و الحرب بالوكالة تمضي رويدا رويدا باتّجاه الحرب الشاملة التي نعرف متى تبدأ لكن لا أحد يعلم متى تنتهي و بأيّ ثمن.
إن الأزمة في ليبيا تتجاوز صراع الفرقاء على السلطة ، الى حرب مصالح بين الدول الكبرى التي دخلت على الخط وهي ماضية في تأجيج القتال مما يجعل المنطقة برمّتها على كفّ عفريت ،ومهدّدة بالوقوع في مرمى شظايا هذه الحرب ، لهذا على دول الجوار المعنية أكثر من غيرها بآثارها المدمّرة أن لا تقف مكتوفة الأيدي ، بل عليها أن تتحرّك في كلّ الاتجاهات لوقف التصعيد أوّلا ثم للدفع باتجاه استئناف العملية السياسية قبل أن ينزلق الوضع أكثر و يصبح الحلّ مستعصيا.
و لا أعتقد بأنّ المهمّة سهلة ، لكن يجب تحريك الآلة الدبلوماسية و استغلال العلاقات الخارجية لإعادة الملف الليبي الى المنتظم الأممي ، و أيضا الاتصال بالأطراف الليبية لإقناعها بوقف سياسة جلد الذات الى تهدّد بلادها و المنطقة برمتها.
ويبقى في الأخير التساؤل عن صمت منظمة الأمم المتحدة أمام استفحال الأزمة الليبية ،و تقاعسها حتى عن تعيين مبعوث لوقف هذا التصعيد الذي يحبس الأنفاس.