لم يكتف فيروس كورونا بقطع أوصال أسر أصاب بعضها الوباء، فأدت مآسيه الكارثية إلى تمزيق علاقات إنسانية، بعد أن منع جبرا حضور جنازة قريب أو عيادة مريض أو زيارة أهل.
العالم تغيّر حقيقة، ولا مجال سوى أن يواكب البشر المسار الذي سطره «كوفيد-19» اللّعين، واضعا الإنسان، مهما كانت قوته أو مركزه، أمام خيار مصيري، إما الالتزام بقواعد التباعد الاجتماعي إلى أقصى حدّ أو الوقوع فريسة الفيروس المعدي.
بطبيعة الحال يصعب على البعض إدراك هذا التحول السلوكي الاجتماعي، غير أن العقل والوعي يفرضان الانتباه إلى خطورة المسألة في غياب علاج يلهث العالم كله وراءه، في وقت أسقط الفيروس قوى كبرى من أبراج العولمة، فكلّفها التهاون الإهمال ثمنا باهظا.
يرى الجميع كيف أصبحت سلوكات البشر المعتادة من الماضي، فلا تقبيل ولا مصافحة ولا زيارات حتى بين الأصحاء فما بالك إن كان بينهم مريض أصابته العدوى.
للأسف، عدد كبير من المتوفين راحوا ضحية إهمال ذويهم واستخفاف أبنائهم بالخطر، رغم التحذيرات والتنبيهات من كل الجهات، غير أن البعض يحاول الكذب على نفسه، لكن هيهات.
ماذا لو أن شبابا في هذه الأسرة أو تلك التزموا الوقاية مبكرا وحافظوا على التباعد والإعلام بكل أعراض لحقت بأحدهم، لكانت فرص نجاة الأم أو الأب أو الأخ ربما أكبر، بدل إلقاء اللوم على غيرهم، لأنهم لم يحضروا جنازة أو تخلفوا عن زيارة وكأن الأمر طبيعي ولا مجال للاحتياط.
كيف ذلك وقد فقدوا أعزتهم وأحبتهم في لحظة كان يستوجب أن تبرز فيها أخلاق دفن الميت وتوديعه في كنف الدعاء وطلب المغفرة، بدل محاولة التكفير عن الذنب باستهداف هذا ومهاجمة ذاك وانتقاد آخر عبر التواصل الاجتماعي.
إن الوباء الغادر الفتاك، يفرض قانونه ويلزم الحيطة والحذر حتى لا نمكنه من أهدافه الشريرة، وليس هناك من حل سوى أن يرفع المواطن من درجة الوعي ويتخلص من أنانية شعاره «علي وعلى أعدائي»، والوقت للدعاء للموتى والمرضى، لأنه في النهاية سواء تحضر جنازة أو لا تحضر لن تغير من أمر فرَضه فيروس أكبر من الجميع وعلاجه البسيط أن يغير الناس من طباعهم وسلوكاتهم بروح ايجابية.