مهما حاولت فرنسا الاستعمارية من تودد لتقديم اعتذاراتها، فان جرائمها التي فاقت النازية، ستبقى وصمة عار أزلية، لن تمحى من الذاكرة الشعبية، ولن تسقط بالتقادم مهما حاولت حجب ممارساتها الجهنمية سعيا لذلك، ولن تمحو اعترافات جوفاء، صيحات الشهداء وهم يساقون إلى «شعبة الآخرة « قوافل بريئة من كل الأعمار، حناجرهم تصدح بالحرية والانعتاق.
اعتراف فرنسا بجرائمها في حق الجزائريين المسالمين العزل لا يكفي، قبل ان ينال الجلاد عقابه القانوني مصحوبا بالتعويض عن الضررين المادي والمعنوي اللذين لحقا بالذاكرة الوطنية والشعبية. أما الكلمات الرنانات لقادة فرنسيين رؤساء كانوا أووزراء، طيلة نصف قرن من الزمن، لم تعد تجدي نفعا، بل هي محاولة ذر للرماد في العين، والتغاضي عن اكبر محرقة في القرن الحديث نفذها زبانية لاكوست، ليفيي، صالان، ماسو، اوسارايس وغيرهم من مجرمي الحرب الذين حولوا الارض الجزائرية الى مسارح دموية بكل الاوصاف.
الاعتراف بالجريمة ليس هوالاعتراف بالذنب، وكلاهما قاب قوسين اوادنى، ان تعترف فرنسا بجرائمها منذ بداية الاحتلال سنة 1830 الى اخر ضحية مازالت تئن تحت وطأة الاشعاعات النووية في «عين ايكر» برقان، يؤكد دون أدنى شك، ان الجرح لم يندمل، وأنه لا مساواة بين الضحية والجلاد.
عندما خرج الشهيد بوزيد سعال رافعا الراية الوطنية الوحيدة، جن جنون الاستعمار، فأطلقوا عليه رصاصات غادرة في اعتقادهم اسكات تلك الاصوات المدوية في ربوع سطيف الى غاية خراطة، لكنها انتفضت في قالمة، وسمع صوتها في قسنطينة وبلغ صداها الاوراس، وعمت المظاهرات ربوع الوطن، وكانت نفس الراية التي حملها الطفل الشهيد سعال عاليا، رفعها المتظاهرون الرافضون لسياسة الاستعمار والكولون.
خمسة وسبعون سنة تمر على تلك المجازر الرهيبة، كأنها البارحة، وهاهوطيفها يعبر شرفات التاريخ لتسجل في محطة جديدة، بقايا تلك الصورة المذهلة والمريبة، لا تمحوها السنوات، لأنها خالدة في الذاكرة خلود الشهداء الذين سقت دمائهم هذه الارض، لتنقلها الاجيال، جيل بعد جيل، لوحة همجية اتقن رسمها دعاة الحرية وحقوق الانسان، كان الجلاد في صورة وحش غادر، لا يفرق بين الطفل والشيخ، ولا بين الانسان والحيوان، كلهم عنده سواء.
كتب لمجازر 8 ماي 1945، الخلود في سجل التاريخ عبر نفحات الجزائر الجديدة، ليكون هذا التاريخ، يوما وطنيا للذاكرة، تحفظ فيه الأمة تاريخها البعيد والقريب وتستعيد فيه مجدها، ومثلما ركعت الالة الحربية القمعية في اعظم ثورة في التاريخ، يمكنها اليوم صد كل مناورات الفتنة والريع.