أثبتت الصحراء الجزائرية أنها لا تنام على ثروات باطنية فقط مثل المحروقات والمعادن، ولكن على ثروة فلاحية هائلة كذلك، تفتح أفاقا واسعة لكي تصبح الجزائر مطمورة حبوب عالمية والخيرات الزراعية التي تتدفق على كل نواحي الوطن قادمة من المنيعة، أدرار، بسكرة ووادي سوف بوفرتها وجودتها إلا دليل على أن الفلاحة الصحراوية لم تقل كل ما لديها بعد؟
إن قرار استحداث الديوان الوطني للفلاحة الصحراوية من شأنه أن ينضج نظرة واضحة المعالم تنتقل بهذه الفلاحة من مرحلة التجارب والاجتهادات الفردية والعشوائية أحيانا، رلى فلاحة الخيارات الإستراتيجية الكبرى والمدروسة التي تتكيف مع التوجهات الاستهلاكية الداخلية والعالمية، من خلال إنتاج محاصيل أسواق. لهذا يقع على هذا الديوان وضع تصوّر واضح للفلاحة الصحراوية التي نريد وتوفير كل الظروف الملائمة للفلاح الذي سيكون عليه إنتاج ما يطلبه الديوان، الذي سيكون عليه ترتيب المحاصيل الزراعية حسب الأولوية ومن ثمة يتكفل بكل المسار، أي من البذور إلى تصريف المنتوج، والمطلوب من الفلاح فقط هو خدمة الأرض وتوفير المحاصيل التي يطلبها الديوان. بهذه الطريقة نخلّص الفلاح من عقدة الخوف ونشجّعه على خدمة الأرض، لأن هذا لا يمكنه العطاء إن لم نوفر له الراحة النفسية والطمأنينة المادية من خلال تخليصه من التفكير في نوعية الزرع وكيفية تصريفه، مع ما يتملكّه من رعب خسارة كل شيء أو عدم وجود سوق لمنتوجه وغيرها من الهواجس التي أرغمت الكثير من الفلاحين على رمي المنشفة وإهمال الأرض، باختصار يجب أن يكون الفلاح مرتاحا.
إن الأراضي الصحراوية التي تشح فيها الموارد المائية، يمكن أن تكون مساحات لزراعة ما أصبح يعرف بـ «المحاصيل الإيكولوجية» مثل التين الشوكي الذي يقول بشأنه خبراء زراعيون، إنه يمكن مقاومة مناخ جاف بأقل 50 ملم من الماء سنويا، إلى درجة أن المنظمة العالمية للغذاء «فاو» أوصت في مؤتمر انعقد بالشيلي العام 2018 بتشجيع زراعة التين الشوكي لمواجهة التغيرات المناخية المحتملة، لأنه قادر على توفير الغذاء والماء للبشر والحيوانات في أحلك ظروف الجفاف، علاوة على استعمالاته المتعددة في إنتاج مساحيق التجميل وزيوت العناية بالبشرة التي توفر مداخيل معتبرة للخزينة العمومية من العملة الصعبة، وإلى هذا وذاك يمكن أن يساهم بشكل فعال في وقف زحف الرمال والتصحر... إلخ، وخيارات مثل هذه يمكن أن يبادر بدراستها هذا الديوان المزمع إنشاؤه.
