«لا تخرجو إلا للضرورة القصوى»، عبارة تحمل دلالات عميقة ومؤثرة ترد على لسان الخيّرين من العارفين بمدى خطوة تداعيات وباء فيروس كورونا على الأفراد والجماعات وما يخلفه من خسائر مادية وبشرية فادحة جراء سرعة انتشاره في الوسط الإجتماعي بشكل مذهل، ما فتئ الجميع يحذرون منه في كل لحظة عن طريق وسائل الإعلام ووسائط الإتصال المرافقة للجمهور يوميا شعارها «في الإعادة إفادة».
للأسف، تلك الحملة القوية المضمون في مغزاها أصبحت لا تخيف أحدا، بعدما كنا نرتعد عند سماعها خوفا على أنفسنا وعلى الأفراد الذين نتواصل معهم، تفاديا لأي مكروه جراء الحالات الإستثنائية التي نخرج فيها من أجل مقاصد محددة جدا لا يسمح للفرد أن يتجاوزها أو يعبث بتلك الأوقات المخصصة للتكفل بانشغالاته في الإنتقال من مكان إلى مكان هكذا مجانا، مثل هذه السلوكات المرفوضة لا تليق في الوقت الراهن.
فما المقصود «لا تخرجوا إلا للضرورة القصوى»؟ أبعاد هذه الكلمات دقيقة جدا، موجهة للمتلقين من الفئات العمومية على أن يلزموا بيوتهم رفقة أفراد عائلاتهم ولا يغامروا بأنفسهم من أجل أشياء كمالية لا تستدعي التنقل خارج مقر السكن.
والضرورة القصوى هنا مجالها محدد جدا، إما الذهاب إلى العمل أو حالات صحية أو اقتناء حاجيات من مواد غذائية واسعة الاستهلاك، وقد شددت عليها السلطات العمومية عندما قررت تنظيم عملية الحجر الصحي بالإستغناء عن 50٪ من اليد العاملة، خاصة العينات المذكورة كأصحاب الأمراض المزمنة، الحوامل، والأمهالت المربيات... وأوعزت إلى الإدارات المركزية بالنظر في الوضعيات المتعلقة بكيفية ضمان ديمومة المرفق العمومي والمؤسسة المنتجة حسب احتياجاتها.
خارج عن هذا الإطار المضبوط، لن يسمح لأي كان أن يعرض نفسه للخطر بإطلاق العنان للتنزه في أرجاء أحياء المدن الكبرى، هذا غير مقبول في الوقت الراهن، لأننا لم نصل بعد إلى مستوى «الخطر ـ صفر». كما أن المؤشرات، بالرغم من أنها في خانة الإستقرار من حيث تقلص عدد الوفيات وتسجيل تطور في التعافي، إلا أن الشغل الشاغل هو العمل الدائم والمتواصل وبدون كلل من أجل تحاشي العدوى. وعليه، فإن التدابير الوقائية المشددة التي اتخذتها السلطات العمومية، لمحاصرة تفشي الفيروس، هدفها حماية كيان الأمة من هذا الوباء الفتاك، وما على المواطن إلا إبداء السلوك الحضاري لاستكمال إنجاح هذه الإجراءات، بالإحترام الكامل للحجر الصحي، مهما كانت أثاره النفسية وما يترتب عنه من إفرازات أخرى. لذلك، فإن الرفع التدريجي لا يعني أبدا بأن الفيروس زال نهائيا وتم القضاء عليه. قد يخطئ من يعتقد ذلك، كل ما في الأمر أن هناك إلتزاما متواصلا بتلك المنظومة من التعليمات المتبعة منذ أكثر من شهر تطبق بحذافيرها ولا تلاعب أو تهاون في هذا الشأن، حفاظا على صحة المجموعة الوطنية. والإنزال الملاحظ خلال الفترة الأخيرة أملاه شهر رمضان... وما يمليه من عادة عند الناس في التسوق والخروج إلى العديد من فضاءات البيع.
ولابد من التأكد هنا، بأن المسؤولية تقع على عاتق المواطن في احترام قواعد الوقاية من تباعد ومسافة الأمان، بالرغم من أن هناك من يرفض النصيحة من الآخرين بعدم تجاوزها، زيادة على أن أصحاب المحلات يغضون الطرف فيما يتعلق بالإزدحام داخل حيز ضيق يتعدى الشخصين، لم يتخذوا أي إجراء وقائي عند تعجيلهم بالفتح. هناك من لم يشملهم القرار، لكنهم سارعوا إلى العودة إلى الحياة الطبيعية، كالمكتبات ببن مهيدي ولباس العرائس بأقواس بوزينة والبذلات الرياضية بعلي عمار ولا يوجد من يشتري سوى الفضوليين والذي أفرز كل تلك الطوابير بائعو «قلب اللوز» و«الزلابية» وأنوع من الحلويات التقليدية.