كلمة العدد

مطرقة الوباء وسندان السلاح

فضيلة دفوس
21 أفريل 2020

لمّا بدأ فيروس كورونا يخترق حدود الدول ويحصد أرواح البشر بدون حساب، تعالت الأصوات داعية إلى وقف الصّراعات المسلّحة وإنهاء الحروب التي تعصف ببعض الدول، حتى تتمكن من تركيز اهتمامها وتوجيه إمكاناتها لمحاربة هذا الوباء القاتل، الذي عجزت حتى أغنى وأقدر الدول عن كبح جماحه، فما بالك بالبلدان التي تعيش في توتر وعدم استقرار.
لقد دقّت أكثر من جهة ناقوس الخطر واستعجلت إسكات صوت السلاح ووقف كلّ أشكال الانقسام، والالتفات بدل ذلك إلى العدو الحقيقي الذي يسفك الدّماء ويزهق الأرواح.
ولم يتردّد الأمين العام الأممي شخصيا، في دعوة اليمنيين والليبيين والسوريين للجنوح إلى السّلام في هذا الظرف الصّعب واستجماع القوة وتوجيهها لصدّ الخطر الدّاهم. والحقيقة أنّنا لم نكن نشكّ بالمرّة أن كورونا سيترك مجالا لاستمرار القتال في أيّ مكان، بل على العكس تماما، حيث اعتقدنا بأن هذا الوحش الكاسر سينجح فيما فشلت فيه الدبلوماسية، وبأنّه سيقوى على فرملة عجلة الحرب في ليبيا مثلا، حيث كان من المنطقي أن يتوقف الفرقاء هناك عن الاقتتال، ليحشدوا جهودهم ويوحّدوا إمكاناتهم لمحاربة هذا العدوّ المشترك الذي لا يقيم ولاء لأحد، فلا هو حليف لحفتر في الشرق ولا داعم للسرّاج في الغرب، بل كلّ همّه هو أن يأتي على الأرواح التي سلمت من الصواريخ والقنابل.
لقد كان منطقيا أن تتوقف آلة الحرب في ليبيا، على الأقل بعد أن حطّ الوباء رحاله بها، لأن الخطر الذي يحمله هذا الزّائر الماكر كبير جدّا، ومجابهته تتطلّب إستراتيجية وطنية لن تنجح في ظلّ الانقسام والفرقة التي تطال البلاد أرضا وشعبا.
لكن يبدو أن الفاعلين في الداخل والخارج يريدون غير ذلك، ما يعني أن ليل الليبيين مازال طويلا ونهاية الكابوس لن تكون غدا.
اليوم، وبينما العالم مشغول بمحاربة الفيروس القاتل، يواصل الليبيون الاقتتال، رغبة من كل طرف في استغلال الوضع لتحقيق مكاسب عسكرية على الأرض. لكن أيّ مكاسب يمكن أن تحقّق وكورونا يزحف على المدن والبلدات ليفتك بالأرواح ويأتي على ما تبقى من اقتصاد؟ وأيّ انتصار يمكن لجهة أن تحقّقه والقصف لم يستثن حتى المستشفيات المخصّصة لمصابي الوباء القاتل، بل وحتى مخازن الأدوية وغرف العمليات لم تسلم؟.
 الوضع في ليبيا مخيف بالفعل، وكورونا الذي كناّ نعتقد بأنه سيكون بادرة لإنهاء الصراع المسلّح، من منطلق مبدأ «ربّ ضارة نافعة»، ماض على العكس تماما ليشكّل تحالفا مميتا مع مؤجّجي الحرب، ليجد المواطن الليبي نفسه بين سندان الوباء ومطرقة السلاح إلى إشعار آخر.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19634

العدد 19634

الأربعاء 27 نوفمبر 2024
العدد 19633

العدد 19633

الثلاثاء 26 نوفمبر 2024
العدد 19632

العدد 19632

الإثنين 25 نوفمبر 2024
العدد 19631

العدد 19631

الأحد 24 نوفمبر 2024