ضربة عنيفة مزدوجة يتعرض لها الاقتصاد في ظل تفشي وباء الفيروس التاجي الفتاك، مستهدفا العنصر البشري من جانب وقبله إلى اليوم انهيار أسعار النفط بشكل غير مسبوق من جانب آخر. وكأن قوى نافذة تضغط بكل ما لديها من نفوذ لتفكيك منظومة أسواق المحروقات لأهداف جيوسياسية، سبق وأن برزت في المشهد قبل سنوات ضمن الصراع بين كبار العالم.
بالرغم من اتفاق «أوبك والشركاء» قبل أيام لإجراء تخفيض معتبر لامتصاص الفائض وإعادة التوازن لمعادلة الأسعار تستجيب لمصالح المنتجين المصدرين والمستهلكين، إلا أن برميل النفط يجد صعوبة في إعادة التموقع في السوق، ما يثير تساؤلات بشأن المستفيد في نهاية المطاف من تحالف الوباء ولوبيات بورصة الذهب الأسود.
حقيقة العالم يتجه إلى نمط جديد لعولمة ترتسم معالمها في الأفق، يكون الاقتصاد عمودها الفقري ومن يتحكم في دواليبه تكون له اليد الطولى في القرار الدولي.
غير أن لعبة الكبار لا ينبغي أن تنسي البلدان الناشئة، منها الجزائر، واجب الإحتراز مما هو آت والعمل بسرعة لإرساء بدائل تمتص الموجة الثانية من الصدمة النفطية، في ظل عدم استئناف انتعاش الأسعار بل وتراجعها إلى الأدنى تاريخيا، كما هو للوسيط الأمريكي.
لذلك، لزاما أن ينخرط عالم المؤسسات الوطنية ومن يدور في فلكها من متعاملين ومستثمرين ورجال أعمال لديهم القناعة بالعمل ضمن المسار الوطني للنمو في ديناميكية الانتقال إلى نمط اقتصادي جديد قوامه العمل والإنتاج والابتكار والمنافسة حول من يكون الأفضل أداء واستثمارا وتسويقا في كل القطاعات. ومن ثمة كان دق ناقوس الإنذار بأن الحجر الصحي بقواعده الوقائية لم يكن يعني أبدا التخلي عن مواقع العمل والوقوع في موجة هروب لها كلفة اقتصادية باهظة، إذا لم يتدارك الأمر بسرعة لحماية الجهاز الإنتاجي وتأمين البنية الاستثمارية بكل حلقاتها، خاصة الإنجاز، فما أصعب أن يعاد تشغيل محرك أصابه عطل.
عالم الشغل يواجه تحديات تنذر بانعكاسات خطيرة، بالنظر للمؤشرات التي زادتها تداعيات الوباء عبئا ماليا ينبغي أن يتم تعويضه عن طريق حلول وطنية شاملة لا تترك شاردة أو واردة إلا وأقحمت في إرساء جسر الخروج من دوامة أزمة مزمنة سببها التبعية العضوية المفرطة للمحروقات، زادها تلاشيا معدلات الإنتاج والإنتاجية التي يجب أن تحقق انتعاشا بكل ما يلزم من مرافقة تقود إلى العودة إلى مستوى متواضع في إنجاز النمو ومنه التحضير لإقلاع سليم هو في المتناول، إذا ما التحمت الإمكانات وتكاتفت الجهود.
لا تزال هناك مقومات، ولو في الحد الأدنى، لإعادة تصويب المعادلة الاقتصادية حول نموذج يستوعب النسيج المؤسساتي، شريطة إنهاء تناقضاته نحو أكثر تكاملية بين القطاعات، ضمن معايير الحوكمة المناجيريالية وترشيد الموارد في ظل تحرير المبادرة المنتجة للقيمة المضافة وإقحام الموارد البشرية المبتكرة في منهج التحول الشامل بذات المبادئ والقناعات الوطنية المستمدة من أجيال مضت واجهت أزمات بأقل إمكانات وخرجت منها بفضل الإخلاص والتفاني، تماما كما يواجه به الفيروس الغادر حاليا.