قطاع الصحة في الجزائر مقبل على إصلاحات هيكلية عميقة وعدت بها السلطات العمومية في غضون المواعيد القادمة، أي ما بعد مرحلة «وباء كورونا»، بناءً على تقييم دقيق لهذه المنظومة ماديا وبشريا، لوضع آليات أكثر فعالية لمواجهة أي طارئ وفق قاعدة الإستشراف واليقظة.
أولى الضمانات العملية لهذا الخيار الإستراتيجي، هو التفكير من الآن فصاعدا، في إعداد الأرضية اللائقة لجرد عام تكون بمثابة مرجعية في الإنطلاق نحو آفاق مرجوة وواضحة في آنٍ واحد.
لا يتعلق الأمر بنقاش إيديولوجي حول مفهوم الصحة في الجزائر، لكن استنادا إلى خلفية هذا «التراث» الضخم وعلى أساس الخبرات المتراكمة، يسمح بوضع أولي لما سيكون عليه هذا القطاع خلال المراحل الآتية، باشراك كل المهنيين والشركاء والفاعلين، من جمعيات أثبتت جدارتها في العمل.
اليوم، لسنا بصدد التشخيص، لأن الجميع يعرف مستشفياتنا، ولا نحن في سياق لإصدار أي أحكام تجاه ما يقدم من خدمات إنسانية لصالح المرضى، بل الأجدر هنا هو مسايرة هذه الالتزامات الجديدة المتولدة عن جائحة، أحدثت صدمة للجميع، حتى بالبلدان المتقدمة التي توجد في عهد ما بعد التصنيع والتقنيات العالية، وجدت نفسها تبحث عن الكمامات والقفازات وأجهزة التنفس وتجهيز الفضاءات بالأسرّة، بعدما حصد الفيروس الآلاف من الأرواح، ليكتشفوا هشاشة نظامهم الصحي.
لذلك، فإن السلطات العمومية قررت مراجعة وإعادة هيكلة قطع الصحة في الجزائر، لتكييفه مع المستجدات الحديثة في المجال الطبي، على أساس الكفاءة العالية والقدرة الفائقة في مواجهته والتصدي لأي وباء. وفي هذا الشأن، فإن الأداة المعدة لهذا الغرض تتمثل في إنشاء الوكالة الوطنية للأمن الصحي، التي تسند لها مهام حيوية في مرافقة هذا المسعى، بإعطاء التفاصيل المطلوبة في هذا الشأن، يساهم فيها المجلس الإقتصادي والاجتماعي والأسلاك المهنية الطبية، والكفاءات الجزائرية بالخارج.
ويعول كثيرا على هذه الصيغة المتبعة لاحقا في وضع قواعد جديدة للصحة في بلادنا، حتى لا تتكرر حالات معينة، كان بالإمكان تفاديها أحيانا، كالأوبئة التي تظهر من حين لآخر، بحكم عدة عوامل، منها تدهور المحيط البيئي وتلوث الوسط الذي نعيش فيه، جراء انتشار النفايات واختلاط المياه والمجاري الراكدة، وغير ذلك.
هذه الملامح للشروع في التكفل بملف ثقيل لطالما كان محل تجاذبات، بالرغم من طابعه الإنساني المحض، غير أنه لم يلقَ ذلك الإجماع في كيفية تسييره، وهذا لاعتبارات ضيقة أضرت به كثيرا إلى درجة ما يعيشه اليوم من اختلالات هيكلية عطلته عن الانطلاقة المرجوة.
تفشي هذا الوباء، حفز على المضي قدما باتجاه الاستثمار العقلاني في المورد البشري الطبي المتنوع الموجود عبر الهياكل الصحية، وهذا بتوفير له الإطار المناسب للعمل فيه والارتقاء إلى مستويات عليا، وهذا باقتحام مجال البحث العلمي في المجال الصحي بكل فخر واعتزاز، نظرا لما يحتويه البلد من مهارات بإمكانها تحقيق الأهداف المسطرة، وهي منافسة كبرى لمخابر العالمية في إنتاج اللقاحات والأدوية، وهذا الخيار لا بديل عنه.
اليوم، هناك عمل سري جدا تنجزه تلك المخابر حول اللقاح ضد كورونا، لم يمض شهر كان الجميع يقول ليس هناك دواء لهذا الوباء، كيف ظهر في الولايات المتحدة واليابان وألمانيا وغيرها من البلدان، كل واحد ينتظر اللحظة الحاسمة لإطلاقه. هذا هو العالم، البقاء فيه للأقوى، فما علينا إلا الإعتماد على أنفسنا ومنافسة هؤلاء بالعلم.