مرّة أخرى يتجلّى واضحا بأن حلّ القضية الصحراوية بات خارج حسابات واهتمامات المؤسّسات الدولية المكلّفة بتنفيذ القرارات الأممية الشرعية، فلا منظمة الأمم المتحدة ولا مجلس الأمن الدولي يبديان أي جدّية في تفعيل مسار السلام وتمكين الشعب الصّحراوي من حقّه في تقرير المصير، لتبقى عملية تحرير آخر مستعمرة بالقارة الأفريقية معلّقة ومؤجّلة إلى إشعار آخر.
كعادته، منذ ما يقارب ثلاثة عقود، إكتفى مجلس الأمن الدولي في اجتماعه السنوي الأخير حول القضية الصحراوية، بسرد خطابات جوفاء لا تسمن ولا تغني من جوع، دون الغوص في جوهر النزاع القائم منذ 45 عاما، ودون فرض مخرج جدّي ينهي تطاول الإحتلال المغربي على ميثاق ولوائح الأمم المتحدة التي تقرّ صراحة ودون لبس أو غموض، بأن الإقليم الصحراوي يدخل ضمن الأقاليم المستعمَرة التي ينطبق عليها حقّ تقرير المصير والإستقلال.
في اجتماعه الأخير، إذن، إكتفى أعضاء المجلس الدولي بالتأكيد على ضرورة مواصلة مسلسل السلام لحل النزاع الصحراوي، من خلال الموائد المستديرة والمفاوضات. ودعوا إلى تعيين مبعوث أممي جديد خلفا لهورست كوهلر المستقيل في ماي الماضي، دون حتّى مجرّد الإشارة إلى العراقيل التي يفرشها الاحتلال في طريق السلام، أو إبداء أي ردّ فعل تجاه فتح قنصليات بصفة غير شرعية في الإقليم المحتل، وترسيم المغرب لحدوده البحرية وتمديدها إلى المجال البحري الصحراوي، أو استنكار عملية النهب المتواصل لثروات الصحراويين.
في الواقع، يبدو أن مجلس الأمن الدولي، الذي جانب الحياد تماما وأخذ موقعه إلى صفّ المغرب، استحلى عملية إلهاء الصحراويين بمسلسل السّلام الذي لا ينتهي، طمعا في قتل قضيتهم بالتقادم وترسيخ الاحتلال. لكن غاب عن هذه الهيئة الدولية، المفروض أن تسهر على تنفيذ القرارات الدولية وتمكين الشعوب من استعادة حقوقها المسلوبة، أن الشعب الصحراوي إلتزم بمسار السّلام طواعية منذ إطلاقه، قبل أزيد من ربع قرن، ظنّا منه أن الشرعية الأممية ستنصفه لأنه صاحب حقّ، لكن بعد مرور هذه المدّة الطويلة بات يدرك تمام الإدراك أن المواصلة في هذا النهج والسلوك من طرف رعاة السلام العالمي، سيحرمه من أرضه ويتركه مشرّدا في الملاجئ والمنافي، فيما يتنعّم الاحتلال والمتواطئون معه بخيراته.
من هذا المنطلق، أعربت جبهة البوليساريو، الممثل الشرعي والوحيد للشعب الصحراوي، عن أسفها لإخفاق مجلس الأمن الدولي، مرّة أخرى، في ملامسة جوهر القضية الصحراوية، وخيبتها لأنه ضيّع فرصة قد لا تعوّض لتأييد القانون الدولي واتّخاذ إجراءات ملموسة تعطي دفعا للعملية السياسية المتعثرة.
البوليساريو لم تكتف بالأسف ولم تتوقّف عند الاستنكار، بل تجاوزتهما لتهدّد بإعادة النظر في مشاركتها بالعملية السياسية للأمم المتحدة بشكلها الحالي والتي اعتبرتها انحرافا خطيرا عن خطّة السّلام المتّفق عليها من قبل الطرفين.
ومن خلال ردّ فعلها، يتجلّى واضحا بأن البوليساريو الملتزمة دائما بالحل السلمي للنزاع، مصرّة على أن تقول «كفى عبثا بالشرعية» وبأنها لن تكون شريكاً في أي عملية لا تضمن بشكل كامل ممارسة شعب الصحراء الغربية لحقه غير القابل للتصرف في تقرير المصير والاستقلال، وفقاً لقرارات الجمعية العامة ومجلس الأمن الدولي.
ولا يمكننا في الأخير، إلاّ أن نحيّي هذا الموقف الشجاع ونؤكّد بأن الحقوق تُؤخذ ولا تُوهب.